• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

سيماء المصلحين في القرآن الكريم

سيماء المصلحين في القرآن الكريم
 للعمل الصالح والذين يعملون الصالحات شرائط وصفات، نجدها مبثوثة في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، نذكر من أهمّها: 1- شرائط ذاتية، منها: الإيمان (النساء: 124)، والتوبة (مريم: 60)، وطلب رضا الله تعالى (النمل: 19)، والإخلاص له وعدم الشِّرك به (الكهف: 110)، والصبر والإستقامة في العمل (طه: 82). 2- شرائط عملية: وأهمّها: أكل الحلال وتجنّب الحرام (المؤمنون: 51)، وردّ المظالم وحقوق الناس إلى أهلها (المائدة: 39)، والإلتزام بالعبادات (البقرة: 277)، والتصدُّق (التوبة: 75). 3- شرائط وضعيّة تتعلّق بكيفيّة أداء العمل وظروفه، ومنها: العمل بالتكليف وفي حدود القدرة والإستطاعة (الأعراف: 42)، واستخدام الكلمة الطيِّبة (فاطر: 10)، والقول السديد (الجاثية: 21)، والدعوة إلى الله (فُصِّلت: 33)، والتواصي بالحقّ والصبر (العصر: 5)، والإفتراق عن سبيل المُفسدين والفُجّار (ص: 28)، والإبتعاد عن كل سوء ومُسيء (غافر: 58). وللمُصلحين صفات الذين يعملون الصالحات وزيادة، ذلك أنّهم لم يكتفوا بالعمل الصالح لأنفسهم وإنما توجّهوا لإصلاح المجتمع، بالكلمة والعمل، ويتطلّب منهم ذلك أن يكونوا في موضع القدوة والريادة، ومن السبّاقين إلى الخيرات والباقيات الصالحات. قال تعالى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) (مريم/ 76). فإنّ هذه الصفات يجب أن تتوكّد وتتحقّق في الإنسان المُصلح حتى يكون صادقاً في دعوته، مُحقّاً في قضيّته، فيؤمن به الناس ويتبعوه.. وإلا كان من الذين يقولون ما لا يفعلون، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 2). وفيما يلي نذكر بعض الشرائط الإضافية المطلوبة في المُصلحين وحاملي راية الإصلاح، بالإهتداء بآيات القرآن الكريم، وهي: 1- الاهتمامُ الدائم بإصلاح الذات والأهل والأولاد، وفي القرآن آيات كثيرة تُذكِّر بذلك، منها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم/ 6)، وقوله تعالى: (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) (الأحقاف/ 15)، وقوله تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 224). وجلّ آيات القرآن، بل كلُّها جاءت لتذكير الإنسان ووعظه لكي يكون صالحاً، يعمل الصالحات، ويدعو إليها. 2- إرادةُ الصُّلح والصلاح للمجتمع وللأفراد، فإنّ المُصلح ينطلق في عمله، من باب الحبّ والحرص على سلامة الآخرين وصلاح المجتمع وصفائه ونشر المودّة والمحبّة والإلفَةِ والأخوّة بين أفراد المجتمع، لا بدافع الخصومة وإثارة الفتنة، أو نشر الحقد والبغضاء، وتدلُّ على ذلك آيات كثيرة، منها قوله تعالى: (إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) (هود/ 88). وقوله تعالى: (وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء/ 129). 3- طِيبُ النفس وإنشراحُ الصدر وحُسنُ الخُلق، فإنّ ذلك لازم للمُصلح، إذ لابدّ أن تكون نفسه سمحةً منفتحةً، بعيدةً عن الغلِّ والبُخلِ، متوشِّحةً بالعفوِ ومكارمِ الأخلاق، لكي تنفتحَ له قلوبُ الناسِ فيؤثِّر فيهم. يقول تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى/ 40). ويقول تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء/ 128). 4- العملُ على إصلاح ذات البين، بِفَضِّ النزاعات وإزالة النفرات والخلافات، وإرساء الأخوّة والمودّة كهدف دائم يسعى له المُصلحون، على طول الخط، من مستوى الأسرة، وحل الخلافات الزوجية، فالإصلاح بين المتنازعين، من الجماعات والكتل والطوائف والقبائل المسلمة، حتى الإصلاح بين المؤمنين، فالإصلاح بين عموم الناس وسائر أفراد المجتمع. فالمُصلح، إسم على مُسمّى، وهو عنوان صلح وسلام مُتحرِّك في المجتمع الإنساني، يجلب معه الخير أينما حلّ، ولازم ذلك أن يتجنّب الخصومة والعداء إلّا في موقع الدفاع عن الحق وصدّ العدوان. وفي ذلك آيات كثيرة، منها قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) (الأنفال/ 1)، وقوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) (الحجرات/ 9)، وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 10)، وغيرها من الآيات: (النساء: 128) و(النساء: 114). 5- إقامةُ القسط وإحقاق الحق، فإنّه هدف لكلِّ إصلاح وشرط في كل صلاح، بل هو الهدف الأساس من إقامة الشرائع الإلهية، بل إنّه الهدف المعلن لسائر الدساتير والقوانين الوضعيّة، قال تعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات/ 9). نعم، في مواقع معيّنة للطرف الذي له الحق أن يعفو ويصفح عن المُسيء – عند المقدرة – لغرض دفع الفتنة وإرساء الصُّلح وزيادة في الفضل، وله من الله الأجر والعوض.. رغم أنّ الله تعالى لا يُحبّ ظلم مَن ظلم وعليه الإستغفار والإعتذار وإزالة آثار الظلم. يقول تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (الشورى/ 39-41). ولكن إذا كان العفو يدفع المُسيء إلى زيادة عدوانه، فلا عفو، بل يُحاسب لكي يرتدع عن فعله. وكذلك في النزاعات العائلية، فإنّه يتطلّب الصُّلح أحياناً أن تتنازل الزوجة عن بعض حقوقها، حفاظاً على أسرتها وزوجها.. وحتى يرجع الزوج ويستفيق من غفوته ويعاملها بالمعروف، يقول تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء/ 128-129). 6- الإهتمامُ ببيان الحقائق وتعريف الناس بواجباتهم وحقوقهم، لأنّ (الناس أعداء ما جهلوا)، وفي القرآن آيات كثيرة تشير إلى جهل أكثر الناس بالحقائق الإلهيّة، منها قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 187). ويدفعهم ذلك إلى نكران الحق ومعارضته: (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) (الأنبياء/ 24)، بل تكذيب حامليه: (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (النحل/ 101). وكان الهدف من الوحي بيان الحق للناس، قال تعالى واصفاً القرآن: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ) (آل عمران/ 138). وكذلك جاء الرسول الكريم مُوضِّحاً وشارحاً ومُبيِّناً لآيات الله وما نزل معه من الوحي، كما قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل/ 44). وهكذا يكون الإصلاح، إمتداداً لعمل المُصلحين الأوائل، في بيان الحقائق للناس وإزالة الغموض والإبهام عمّا التبَسَ عليهم وإراءتهم الطريق الصحيح، كما فعل المُصلح شعيب مع قومه، حين بَيَّن خطأ فعلهم وأرشدهم إلى ما يصلح حالهم (هود: 88)، وكذلك سائر الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين. وفي آية من القرآن، نقرأ إشتراط بيان الحقائق على مَن كتمها كشرط لقبول توبته ودليل على إصلاحه، وذلك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة/ 159-160)، لأن في كتمان الحقائق إضاعة للحقيقة وإضلالاً للناس وفي بيانها هداية وإرشاداً لهم.. قد يُصحِّحُ ما صدر من الإنسان من خطأ سابق، فيكفر عنه وتشمله الرَّحمة الإلهيّة. 7- تجنُّبُ سُبُل المفسدين وأساليب عملهم الفاسدة: للمفسدين أساليب ووسائل عمل غير مشروعة، قائمة على الكذب والخداع وإثارة الفتنة وإلقاء الشبهات، والمكر والحيلة والغدر، وإستغفال الناس، والإنحراف بأنظارهم عن رؤية الحق.. هذه الأساليب قد تختلف بين الماضي والحاضر من حيث التطوّر والإمكانات الهائلة التي تمتلكها الدول والحكومات ووسائل الإعلام وشركات الدعاية، ولكنّها تمارس نفس الأدوار في تشويه الحق وتزويق الباطل لكي تجعل من الضحية جلاداً ومن الظالم مظلوماً. والإسلام، يُجيزُ إستخدام وسائل الإعلام والدعاية المحايدة لإراءة الحق وكشف الباطل وبيان الحقائق، ولكن لا يُجيز إستخدام الكذب والخداع والمكر والحيلة والباطل، تحت عنوان (الغاية تُبرِّر الوسيلة)، فالمبدأ في الإسلام هو: (لا يُطاع الله من حيث يُعصى). لذا كان من شرائط المُصلحين التي عرضها القرآن تجنُّبُ سُبُل المُفسدين.. قال تعالى في بيان وصيّة النبي المصلح موسى لأخيه هارون: (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (الأعراف/ 142). وفي موقع آخر، يُحدِّد موسى موقفه من السِّحر، وهو خداع البصر، الذي كان شائعاً ورائجاً أيّامه، وله أثر كبير في توجيه الرأي العام ومواقف الناس، يقول تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس/ 80-81). فالله تعالى لا يكتب لهذه الأساليب الفاسدة النجاح والصلاح، حتى لو كان لها تأثيرٌ مؤقّتٌ على الناس، فيجب على المُصلحين تجنّبها وتجنّب: سبيل المفسدين. 8- محاربةُ الفساد والتصدِّي للفاسدين: الصلاح والفساد متقابلان ومتضادّان، ولا يمكن أن يحلّ الإصلاح بلا إزاحة للفساد ومواجهة له، وإلا إنتشر الفساد وجاء على البقية الباقية من جوانب المجتمع ليُخرِّبها ويُحرقها حتى يأتي على البلد كلّه فيُدمِّره ويُهلكه، يقول تعالى: (فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلا قَلِيلا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود/ 116-117). وتحتاج مواجهة الفساد إلى النصرة بين الناس المصلحين ومؤازرة بعضهم البعض في مواجهة الفاسدين ليكونوا جبهة قويّة لا تنثني أمام تيار الفساد والكفر والنفاق، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) (الأنفال/ 72-73). ومن الطبيعي أنّ الفاسدين لن يقفوا مكتوفي الأيدي، بل سيقاومون دفاعاً عن منافعهم ومكاسبهم غير المشروعة، وقد يحاولون الإضرار بالمُصلحين، والذين سيقاومونهم بكل شرف وصلابة ويُقدِّمون التضحيات في هذا السبيل، كما هو حال المُصلحين الكبار من الأنبياء والمرسلين ومَن سار على خطاهم، والذين كانت في قصصهم وسيرتهم عبرة للمعتبرين، ويتطلّب ذلك الصبر وتحمّل الأذى في سبيل الله والمجتمع. قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (الأحقاف/ 35). وقال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) (النساء/ 75). 9- التمسُّك بالكتاب: لكل قوم شرعة ومنهاج، ومنهاج المُصلحين في الإسلام ودستور عملهم هو القرآن، ففيه ما يحتاجه المسلم في طريق تكامله نحو الله، وفيه تبيان كل شيء مما هو متعلق بأمر دينه وسبيل هدايته ومعالم كفاحه وجهاده من أجل إصلاح المجتمع وتغييره. ولذا لابدّ للمُصلح أن لا يكتفي بقراءة القرآن وتلاوته حقّ تلاوته فقط، بل عليه أن يتمسّك ويعتصم به في سَيرِ حياته وخطوات إصلاحه، لذا يقول تعالى: 0 وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (الأعراف/ 170). وإقامة الصلاة، أولى ثمرات الإهتداء بالكتاب والإلتزام به، لقوله تعالى: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (البقرة/ 1-3).

فالمُصلح يسعى لكي يُنوِّر بالقرآن مجالس الإصلاح، فيُباركها ويُضيءَ بيوتَ الناس فيسعدها، ويهدي المجتمع فَيَصلُحَ به ويُفلح.

المصدر: كتاب نظرية الإصلاح من القرآن الكريم

ارسال التعليق

Top