• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التعايش طريق نشر الفكر السليم

التعايش طريق نشر الفكر السليم

إذا كنت مخلصاً لأفكارك، متحمساً لنشرها، واستقطاب الآخرين باتجاهها، فإنّ الطريق لذلك هو الانفتاح على الآخرين، وخلق جوّ من الاحترام والودّ معهم.

فوجود علاقة لك بهم، وتواصل بينك وبينهم، يتيح لك الفرصة لعرض أفكارك وآرائك عليهم، أمّا القطيعة والعداء، فإنّها تسلب منك هذه القدرة، وتفقدك الرغبة والاندفاع في تكرار محاولة التأثير عليهم.

من ناحية أُخرى، فإنّ حالة العداء وما تفرزه من سلوكيات منفرة تحول بين الطرف الآخر وبين الأقبال والاستجابة.

فالعاقل الواعي الذي يريد خدمة أفكاره، وأن تشقّ طريقها إلى قلوب الناس، هو الذي يمتلك سعة الصدر ورحابة الأُفق، ولا ينفعل تجاه الرأي المخالف، حتى ولو تعامل معه الآخرون بشكل سيء فإنّه يمارس أعلى درجات ضبط النفس، والتحكم في الأعصاب، بحيث يقابلهم باللُّطف والإحسان، فيمتص التشنجنات، ويستوعب الاستفزازات.

وبهذه المنهجية الأخلاقية يدفعهم لإعادة النظر في موقفهم تجاهه، ويشجّعهم على الانفتاح على أفكاره، ممّا قد يغير قناعاتهم ويستقطبهم إلى جانبه وإلى صف رأيه.

ويؤكّد القرآن الكريم تأثير أسلوب الرفق والإحسان وأنّه يساعد على تغيير الموقف والنفوس لصالح الدعوة والرسالة، في قوله: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت/ 34-35).

فالمنهجية الحسنة القائمة على أساس اللُّطف والاحترام والودّ مع الآخرين، تختلف في نتائجها عن المنهجية السيِّئة المعتمدة على الشدّة والقطيعة والعداء، فالأولى تفتح الطريق أمام التأثير أو الكسب، بينما الأُخرى تسبّب النفور وتزيد هوة التباعد.

لكن المنهجية الحسنة لا تتوفر إلّا لمن يروض نفسه على الصبر تجاه الإساءات والاستفزازات، ويمتلك نصيباً عظيماً من الأخلاق الفاضلة.

وينهى الله سبحانه عباده المؤمنين من أن يتحدّثوا مع المخالفين لهم في الدِّين إلّا بأفضل أسلوب، وأحسن طريقة، رعاية لمشاعرهم يقول تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (العنكبوت/ 46).

لقد واجه رسول الله (ص) في بدء الدعوة معارضة ومخالفة عنيفة من قبل المشركين، ولكنّه تغلب على كلّ ذلك بأخلاقه العظيمة (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4)، ولولا ذلك الخلق الرفيع لما تمكّن الرسول (ص) من هداية ذلك المجتمع الجاهلي الغارق في الفساد والتخلُّف، يقول تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159).

وهكذا فإنّ على مَن يعدون أنفُسهم حملة للحقّ، وذوي الفكر الصحيح والرأي الصائب، أن يتحلوا بمصداقية أخلاقية في التعامل مع الناس، وخاصّة المخالفين لهم في المذهب أو الرأي أو الموقف، فإنّ القطيعة والعداوة والإساءة، تخالف تعاليم الدِّين، وتصادم توجيهات العقل وتشوه دعوة وفكرة أصحابها، وتنفر الناس منهم.

 

المصدر: كتاب ثقافة التعايش= حياة سعيدة+تقدّم

ارسال التعليق

Top