• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

من خصائص رحمة الله تعالى

أسرة البلاغ

من خصائص رحمة الله تعالى

من خصائص رحمة الله تعالى، الآتي:

1- أنّها مكتوبة على الله (جلّ جلاله).. هو كتبها (فرضها) على نفسه ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الأنعام/ 54).

2- أنّها صفة من صفاته العليّة (ذو الرحمة) ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ (الأنعام/ 133).

3- أنّها واسعة تسع كلّ شيء، بما في ذلك ذنوب المذنبين، وسيِّئات السيِّئين وتوبات التائبين، قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَي﴾ (الأعراف/ 156). هذا في المفهوم، أمّا في المصداق، يقول عزّوجلّ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (الزُّمر/ 53).

4- رحمته (كثيرة) لا تنفد، يُعبِّر عنها تارةً بـ(الرحمان)، والرحمان في اللغة العربية صيغة مبالغة (فعلان) تدل على الكثرة. تقول الرحمة المهداة إلى العالمين النبيّ محمّد (ص): «إنّ الله تعالى خلق مئة رحمة يوم خلق السماوات والأرض، كلُّ رحمة منها طباق (تساوي) ما بين السماء والأرض، فأهبط منها رحمة إلى الأرض منها تراحم الخَلق، وبها تعطف الوالدة على ولدها، وبها تشرب الطير والوحوش من الماء، وبها تعيش الخلائق (بشراً وحيوانات ونباتات)». تأمّل -على فرض صحّة الرواية- أنّنا منذ أن خلق الله السماوات والأرض وخلق آدم7 وإلى اليوم وإلى يوم القيامة نعتاش على (رحمة) واحدة التي من مصاديقها (رحمة الأُمّ بولدها)، و(الطير بفراخه)، والتراحم الخلقيّ على تنوُّعه وتعدّده وتلاحق أجياله. المدّخر من رحمته تعالى (99) وإلى أي يوم؟ إلى يوم (الفقر) و(الفاقة) و(الحاجة) الماسّة، والتطلُّع إلى ما في يد الله بعد أن يسقط ما في يديّ الإنسان.

5- ويُعبَّر عن دوام رحمته -جلّ جلاله- بـ: (الرحيم)، والرحيم أيضاً صفة مبالغة (فعيل) تعني الدوام والاستمرارية، ولو كانت كثرة رحمانية من غير ديمومة رحيمية لانتقصت الرحمة (تعالى الله عن كلّ نقص).

6- هي (رحمة) سابقة على (الغضب) ومتقدِّمة وراجحة عليه، وفي الدعاء: «يا مَن سبقت رحمته غضبه»، فهي (سابقة) لأنّها (مكتوبة) منه على نفسه، ولذلك تمّت صدقاً وعدلاً -كما يقول الإمام الباقر (ع)-. ومن دلائل ذلك، (حِلمُه) تعالى و(إمهاله) الظالمين أنفسهم وغيرهم و(عدم تعجيل العقوبة).

7- لا يُقاس الله تعالى ولا يُقارَن بغيره ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (الشورى/ 11)، وإذا قارن تعالى بينه وبين غيره فللتدليل على أنّ عظمته لا تُطال ولا تُطاوَل. في الرحمة الإلهية نقرأ (أرحم الراحمين) و(خير الراحمين) والتفضيل هنا ليس تفضيلَ مقارنة جزئياً، بل هو كلِّي مطلق، وهو كقولنا: (أعظم العظماء) و(أشرف الشرفاء)، وهو في منتهى الرحمة بحيث لا تُعلى على رحمته رحمة، وروي عن النبيّ (ص) أنّه قال لصحابته عندما رأى أُمّاً فرغ صبرها في البحث عن ولدها فلمّا التقفته لصقته ببطنها: «أترون هذه المرأة ملقية ولدها في النار»؟ قالوا: بلى، وهي تقدر على أن لا تفعل، فقال (ص): «إنّ رحمة الله بكم أوسع من رحمة هذه بابنها»!! والدليل أنّ رحمة الله هي (أسّ الرحمات) و(منبع الرحمات) و(أُمّ الرحمات) كلّها، وما رحمة الأُمّ -كما مرّ- إلّا رشحة من رشحات رحمته اللّامتناهية.

أنعجب بعد ذلك عندما نسمع أنّ الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) لمّا قيل له إنّ الحسن البصري قال: ليس العجبُ ممّن هلك كيف هلك (يعني دخل النار)، وإنّما العجب ممّن نجا كيف نجا (أي دخل الجنّة)؟! قال: «أنا أقول: ليس العجبُ ممّن نجا كيف نجا، وأمّا العجبُ ممّن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله» ؟! وعجبُ زين العابدين (ع) أدعا للعرفان من عجب الحسن البصري، لأنّ (عرفان) الإمام بالله وبخصائص رحمته أعمق من رؤية البصري، كما دلّ تعليقه.

هذا في (خصائص الرحمة).. أمّا في (موجباتها)، فالمستحقّون للرحمة الإلهية هم (المتراحمون) أوّلاً وقبل كلّ شيء، أي إنّ «ببذل الرحمة تُستنزَل الرحمة»، كما يقول الإمام عليّ (ع)، و«أبلغ ما تستدرّ به الرحمة أن تُظهر لجميع الناس الرحمة». ومن موجباتها (الدعاء عند الاضطرار والتوجُّه الخالص)، و(المناجات)، و(حُسن المراجعة)، و(التقييم الذاتي)، و(الصبر): ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة/ 155-157)، و(الإحسان) إلى الناس: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (الأعراف/ 56).

ارسال التعليق

Top