• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إذكاء الوعي عن مشكلة الفساد ومكافحته

عمار كاظم

إذكاء الوعي عن مشكلة الفساد ومكافحته

عُرّف الفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد (صَلُحَ) و(الفساد) لغة البطلان، فيُقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه. والتعريف العام لمفهوم الفساد عربياً: بأنّه اللهو واللعب وأخذ المال ظُلماً من دون وجه حقّ. قال الله عزّوجلّ في كتابه الكريم: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم/41). ويصبح الفساد بمفهومه العام هو التغير من الحالة المثالية إلى حالة دون الحالة المثالية -والكمال لله عزّوجلّ- بمعنى التغير للأسوأ ويكون هنا ضد الإحسان وضد التحول أو التغير إلى الحالة المثالية. كما اختارت الجمعية العامّة اليوم التاسع من شهر ديسمبر سنوياً كيوم دولي لمكافحة الفساد، من أجل إذكاء الوعي عن مشكلة الفساد وعن دور الاتفاقية في مكافحته ومنعه. القرآن يخاطب الإنسان بأنّه الخليفة في الأرض، ويشرح قصّة الخلق والصِّراع وخضوع القوى كلّها للإنسان عدا نزعة الشرّ، ثمّ يتحدّث عن الخطيئة والتوبة والعيش على هذه الأرض، ثمّ الهدى والرسالة. يقول تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فيها ويُسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لاَ تَعْلَمُون) (البقرة/30)، وفي هذا النص تصوير لممارسة الإنسان الشرِّيرة على هذه الأرض، جريمة الفساد وسفك الدماء، ونكوص عن محتوى العهد والميثاق والملائكة، عالم الطّهر والخير والنقاء، ترى الوجود على الأرض تسبيحاً وتقديساً لخالق الوجود، وتجسيد الخير والسلام، والإنسان يمارس جريمة القتل والإفساد في الأرض، لذا كان مجيء هذا المولود الجديد يثير التساؤل والاستفهام. إنّ هذه المحاورة تشرح لنا رؤية القرآن للحياة على هذه الأرض إنّها رؤية الخير والسّلام، ورفض الجريمة، جريمة القتل والإفساد في الأرض، فقد خلق الإنسان ليعمر الأرض بالعمل الصالح، والإنتاج والعطاء، يقول تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً، قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُم فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَريبٌ مُجيب) (هود/61). إنّ الفساد والانحراف والطغيان يؤدي إلى ذهاب البركة ونقص الثروات، لأنّ الإنسان هو الذي يُعمِّر البلاد ويُطوِّر الزراعة ويُنمِّي الاقتصاد، وإذا ما فقد الإنسان في أي مجتمع عزّته وكرامته وسلبت حقوقه وامتيازاته، فإنّه لا يمكن لهذا الإنسان المسحوق أن يصنع حضارة أو يشارك في نهضة أو تنمية، لأنّه يكون قد فقدَ في وجوده الروح الخلّاقة المُبدعة وماتت فيه الحوافز الدافعة والمُحرِّكة. وبالعدل يدوم الحكم وبالإنصاف تزيد البركة، والإنفاق يزيد الرزق، وحيثما يكون الظلم والكفر والإسراف والاستضعاف، فإنّ الله يسلب من ذلك المجتمع السعادة ويبتليه بشتّى الابتلاءات والمحن، وهكذا كان حال مجتمع فرعون، يقول تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف/ 130) وقال جلّ شأنه: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) (الأعراف/ 133).

ارسال التعليق

Top