• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحياء من الإيمان

الحياء من الإيمان
◄عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: .... (الإيمان بضع وسبعون – أو بضع وستون – شعبة، فأفضلها قول "لا إله إلا الله" وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) متفق عليه. قال الإمام النووي في تفسير مفردات هذا الحديث: (البضع) بكسر الباء ويجوز فتحها من الثلاثة إلى العشرة. (والشعبة) القطعة والخصلة، (والإماطة) الإزالة، (والأذى) ما يؤذي كحجر وشوك وطين ورماد وقذر ونحو ذلك (والإيمان) كما بيَّنه النبي (ص) في حديث آخر: "أن تؤمن بالله وملائكته ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث بعد الموت". وأساس الإيمان في الإسلام: هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بمعنى التصديق القلبي قطعاً بأنّ الله – سبحانه وتعالى – واحد لا شريك له، وأن محمداً عبدالله ورسوله بعثه الله إلى الناس كافة، وأن رسالته خاتمة رسالات الله إلى الناس. ويؤكد لنا هذا المعنى حديث عبادة (رض) عن النبي (ص) قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل"، وزاد أحد رجال السند (من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء) رواه الشيخان. وفي هذا الحديث الشريف يعلمنا رسول الله (ص) أنّ الإيمان تطبيق عملي، وأنّه يتسع ليشمل أقساماً وأنواعاً من الأعمال والسلوك، وليس المراد حصر شعبه وأقسامه في هذا العدد؛ لأنّ الإيمان يتسع للعديد من الشعب، حدد منها خصالاً لما لها من أهمية في السلوك بين الناس. ومن هذه الخصال: إماطة الأذى عن الطريق، أي إزالة كل ما يؤذي السائرين في الطرقات التي يستعملها الناس، وهذا يشمل ما يؤذي ماديّاً كالأحجار والأشواك والأقذار والمياه التي تسال في الشوارع وتلقى من النوافذ والأبواب، دون مراعاة أو حذر من إيذاء المارة من الناس الذاهبين إلى مساجدهم وأعمالهم وقضاء مصالحهم، وإستعمال الطرقات في غير وظيفتها الاجتماعية الأصلية؛ لتخزين السيارات والعربات، ومواد البناء وأكوام المهملات والمتروكات؛ إذ إن كل ذلك أذى للطريق من واجب كل إنسان أن يزيله. وعلى كل إنسان أن يرعى هذا الواجب، فلا يضع في الطريق ما يؤذي ويضر، بل عليه كما قال رسول الله (ص) أن يميط الأذى عن الطريق، وهناك ما يؤذي معنويّاً كإستعمال الطريق للجلوس والتجمع، فإن بعض الناس يقف على النواصي في أنحاء متفرقة من الشوارع فيضيق على الناس المسالك ويؤذون الغاديات والرائحات بالألفاظ الجارحة وبالنظرة المؤلمة المثيرة. وفي إماطة الأذى عن الطريق وفضله روى أبو هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال: "بينما رجل يمشي وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له" ومعنى شكر الله له، أي رضي فعله وقبله منه وأثنى عليه فغفر له ذنوبه. ومن آداب الطريق في الإسلام ما روي عن رسول الله (ص) أنّه قال: "إياكم والجلوس على الطرقات، فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها. قالوا: يا رسول الله، وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".. وزيد في رواية "وإرشاد السبيل" وفي رواية أخرى "وإغاثة الملهوفين".. وبهذا القول الكريم نرى أن حق الطريق كما يشمل الماديات يمتد إلى المعنويات والأدبيات؛ سدّاً للذرائع ومنعاً للمفاسد؛ ودعوة إلى الخير، وكان من حسن اتباع السنة ومن القدوة برسول الله (ص) أن نأتمر بأوامره هذه وننتهي عما نهانا عنه حتى يصدق علينا اتباعه والاقتداء به، كما حثنا الله في قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب/ 21).. وأي أسوة وقدوة أتم وأعم من هذه الآداب التي بها يستقيم السلوك الاجتماعي، وأي شاهد على أنّ الإسلام دين الحياة نظم كل شيء بما يعود على الناس بالاستقامة في الخلق والنقاء والصفاء. فما نحن عليه من عادات لم يأمر بها الإسلام، بل ويبغضها الله ورسوله ينبغي أن نبرأ منها، فهذه الشوارع والطرقات التي امتلأت بالقاذورات، وشغلها من لا يرعون الله، فسدوا المنافذ على السائرين، وتوقفت بذلك الحركة، فقل الإنتاج وتباطأ الإنقاذ عند الحاجة إليه كإسعاف مريض أو إخماد حريق. والحياء شعبة من الإيمان: قال العلماء: الحياء في حقيقته خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق الله والناس، ولقد إمتدح الرسول (ص) خلق الحياء وحث المسلمين على التحلي به، ففي حديث عمران بن حصين (رض) أن رسول الله (ص) قال: "الحياء لا يأتي إلا بخير" أو قال: "الحياء كله خير".. والحياء من الصفات التي عرف بها رسول الله وتناقلها أصحابه عنه، وهو خلق يحمل صاحبه على الإبتعاد عن سيئ الأفعال ورديء الخصال، فصاحب الحياء لا يكذب ولا يخون وإنما يتحرى الصدق، ويؤدي الامانات إلى أهلها، ويحرص على الرفق بالناس والتواضع ولين الجانب، والحياء يرفع صاحبه ويعلي قدره وذكره بين الناس ويعصم عن مساوئ الأخلاق كالإختيال والكبر والبهتان. فلنتخلق بالحياء حتى تحيا به نفوسنا، ونستحي من الله فلا يرانا حيث نهانا ولا يفقدنا حيث أمرنا، ولنتخلق بالذي هو خير فإنّ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار. نسأل الله أن يرزقنا الحياء منه، فيقربنا به إليه، وأن يجملنا بالأخلاق التي إرتضاها لأنبيائه والصالحين من عباده، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.. آمين.►   *شيخ الأزهر السابق – رحمه الله –  المصدر: كتاب (منهجُ الإسلام في التربية والإصلاح)

ارسال التعليق

Top