• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

سيكولوجية الألوان

د. إياد محمد الصقر

سيكولوجية الألوان

◄يؤثر اللون على المزاج ويثير العواطف الإنسانية ويوقظ الحس البديهي. ومن الملاحظ أنّ الكثير من مصممي الإعلانات والدعايات يستخدمون الألوان الدافئة المفرحة التي تنبض بالحيوية لتدفع الناس إلى الإقبال بتلهف على شراء السلع والحاجيات المختلفة.

والإنسان يستجيب بصورة أكثر تأثيراً للألوان الدافئة.

ومهما يكن موضوع اللوحة فإنّ الفنان يستطيع السيطرة على الاستجابة العاطفية للمشاهد وذلك من خلال حسن اختياره للموضوع وحسن انتقائه للألوان.

وفيما يلي بعض الأمثلة على الاستجابة العاطفية للألوان وما ترمز إليها تلك الألوان:

الأحمر: يرمز للنار والحرارة، والإثارة، والخطر، والدم، والقتل، والحب.

الأحمر الأرجواني: يرمز للعتمة، والخداع، والليل، والقلق.

الأزرق المحمر: يرمز للعتمة، والقلق، والخداع، والليل.

الأزرق: يرمز للماء والجليد، والبرودة، والصفاء، والابتهاج، والبُعد.

الأخضر: يرمز للطبيعة، والنبات، والهدوء، والسكون، والبرودة.

الأصفر المخضر: يرمز لضوء الشمس، والثراء، والسعادة.

وإذا قمنا بجعل أي لون يميل إلى الرمادي فإنّنا نضفي عليه مزاج الهدوء. وعندما تفكر برسم لوحة ما عليك إلّا أن تهتم بالأمور التالية:

1-    حسن اختيارك للموضوع.

2-    اختيارك المزاج والانطباع.

3-    اختيار الوقت المفضل من اليوم أو الفصل والطقس.

نستنتج مما سبق أنّ الألوان الساعة المتألقة ترمز إلى الحيوية والإحساس بالسرور.

والألوان الداكنة تدل على الحزن والكآبة والغموض. والألوان الرمادية ترمز للهدوء والاتزان والاطمئنان.

والأهم بالنسبة لنا من الناحية التشكيلية هي عملية المزج بالطرح باعتبارنا نتعامل مع مواد ملونة وليس مع أضواء ملونة، بقي أن نشير إلى إمكانية مزج المواد الملونة بالجمع أو بالتآلف البصري وهو ما اثبته العالم "نيوتن" ومن بعد فناني المدرسة التأثيرية عن طريق أسلوب التنقيط الذي استعملوه.

وفيما يلي ندرج بعض المعلومات الأساسية في حياتنا والتي تتحدث عن اللون:

 

اللون الأخضر:

اللون الأخضر ذُكر في القرآن الكريم كما أنّه وُجد بكثرة فيه، وما أكثر ما يرد لفظ الخضرة في آيات القرآن الكريم والتي تصف حال أهل الجنة أو ما يحيط بهم من النعيم في جو رفيع من البهجة والمتعة والاطمئنان النفسي، فنجد في سورة الرحمن: (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) (الرحمن/ 76).

يقول أحد علماء النفس: "إنّ تأثير اللون في الإنسان بعيد الغور وقد أجريت تجارب متعددة بينت أنّ اللون يؤثر في إقدامنا وإحجامنا ويشعر بالحرارة أو البرودة، وبالسرور أو الكآبة، بل يؤثر في شخصية الإنسان وفي نظرته إلى الحياة".

ويسبب تأثير اللون في أعماق النفس الإنسانية فقد أصبحت المستشفيات تستدعي الاختصاصيين لاقتراح لون الجدران الذي يساعد أكثر في شفاء المرضى وكذلك الملابس ذات الألوان المناسبة وقد بينت التجارب أنّ اللون الأصفر يبعث النشاط في الجهاز العصبي، أما اللون الأرجواني فيدعو إلى الاستقرار واللون الأزرق يشعر الإنسان بالبرودة عكس الأحمر الذي يشعره بالدفء ووصل العلماء على أنّ اللون الذي يبعث السرور والبهجة وحب الحياة هو اللون الأخضر.

لذلك أصبح اللون المفضل في غرف العمليات الجراحية لثياب الجراحين والممرضات. ومن الطريف أن نذكر هنا تلك التجربة التي تمت في لندن على جسر (بلاك فرايار) الذي يعرف بجسر الانتحار لأنّ أغلب حوادث الانتحار تتم من فوقه حيث تم تغيير لونه الأغبر القاتم إلى اللون الأخضر الجميل مما سبب انخفاض حوادث الانتحار بشكل ملحوظ واللون الأخضر يريح البصر ذلك لأنّ الساحة البصرية له أصغر من الساحات البصرية لباقي الألوان كما أنّ طول موجته وسطية ليست بالطويلة كاللون الأحمر وليست بالقصيرة كالأزرق.

 

اللون الأبيض:

وأيضاً فإنّ اللون الأبيض في المنزل يهدئ النفس ويريحها ويعطيها توازن وهدوء.

يعتبر الاهتمام بالألوان انعكاساً طبيعياً لثقافة عالية تتجلى في الاهتمام بالذوقيات التي تعكس طبيعة الإنسان ونفسيته. ويرمز اللون الأبيض للصفاء والنقاء والعفة والنظافة والوضوح، وهو اللون السائد أو المنتشر في كلّ ما له علاقة بحياة الإنسان، فأغلب المنازل يطغى عليها اللون الأبيض وملابس الرجال وبعض الملابس النسائية يغلب عليها اللون الأبيض، كذلك ملابس الأطفال.

والكثير من الأثاثات المنزلية يغلب عليها اللون الأبيض إلى جانب أدوات المطبخ وغرف النوم. واللون الأبيض أكثر الألوان راحة للنفس، وسيكون داخل المنزل هو الطاغي لأنّه العامل المشترك بين الألوان في الأثاث والملابس وقطع الأواني المستخدمة في الطبخ وغرفة السفرة.

ومن هنا فإنّ اللون الأبيض يستخدم في كلّ المنزل، لكن كيف يمكن أن يتم توظيف اللون الأبيض في بعض المواقع، وما هي الألوان التي يمكن أخذها بعين لاعتبار عند اختيارها وتتماشى بالطبيعة مع اللون الأبيض. ففي غرفة استقبال الضيوف والمجالس بشكل عام يفضل أن تكون الجدران باللون الأبيض، يتداخل معها أخضر خفيف، أما الأثاث فيتم اختيار الجلسات من اللون الأبيض المشجر أو المطعّم ببعض الألوان الخفيفة الباهتة أحمر وأزرق وأخضر..

أما ستائر الجدران فيتم اختيارها من جنس قماش الأطقم للجلوس أو المجلس نفسه ولكن بتشجير أو تصميم مختلف قليلاً، أو من اللون الأبيض المطعّم بالذهبي أو الأسود تطعيماً دقيقاً.

وفي غرفة الطعام يفضل أن تكون الجدران والسقف من اللون الأبيض المطعّم ببعض الكادريهات ذات النقوش الجبسية الخفيفة، ويتم إسقاط إضاءة خفيفة عليها لتظهر علامات النقش الجبسي بشكل لافت، أما سفرة الطعام والكراسي فمن الجميل أن يكون لونها أبيض مطعّماً بخطوط ذهبية أو سوداء أو بنية، وقماش الستائر من الستان الخفيف ذي اللون الأبيض المزدان ببعض الزهور الصغيرة أو الحواشي المزخرفة بألوان فاتحة.

من جهة أخرى، من المفضّل أن تكون غرف النوم باللون الأبيض المطعّم ببعض المساحات الزرقاء الباهتة لغرف الأبناء، أما غرفة البنات فتكون مطعّمة ببعض المساحات الوردية، أما غرفة النوم الرئيسة فإنّ التوشيحات الذهبية أو السوداء الخفيفة كالخطوط على أبواب ودرف الأبواب والجدران ستعطي الغرفة مزيداً من البهجة، إلى جانب ما ينصح بالإكثار منه في غرف النوم وهي المرايا فهي تعطي بُعداً أو عمقاً كبيراً للغرفة يضفي البهجة والشعور بالراحة.

أما عن اللون الأزرق فيستعمل على وجه الخصوص لتهدئة حالات الإفراط في الإثارة والوسواس، وقد ظهر دوره هاماً في مصحات الأمراض العقلية. كما استعمله بعض الأطباء في معالجة الأرق وطرد الأفكار المتسلطة على حالات التشكك وإزالة الوساوس والتشاؤم كما أنّه يساهم في تسكين وتهدئة أزمات الإثارة ولهذه الأسباب فإنّ اللون الأزرق محبب في حجرات النوم وحجرات المستشفيات لمرضى الأفكار المزعجة المتسلطة.

وأنّ الألوان هو ذلك التأثير الفسيولوجي الناتج على شبكية العين فاللون ليس له أي حقيقة إلّا بارتباط بأعيننا التي تسمح بحسه وإدراكه بشرط وجود الضوء. وأنّه من السهل تصور أنّ أي لون إذا ما سلط عليه ضوء قوي فإنّه يعكس إشعاع أكثر، وبالتالي يظهر أكثر نصوعاً. أما إذا ما وقع هذا اللون تحت ضوء خافت فإنّه يعكس ضياءً قليلاً ويظهر غير واضح.

والدليل على أنّ اللون هو تأثير فسيولوجي بداخل العين وليس شيء خارج عنا ما برهنه العلماء إنّه في الظلام الكامل أمكن إشعار أعصاب المخ بإحساسات ملونة وذلك بالتأثير (بالاستعانة بتيار كهربائي).

وقد برهن العالِم (نيوتن) أنّ الضوء هو أصل اللون، فقد اثبت أنّ الضوء الأبيض يمكن تحليله – بمعنى تشتيته – إلى ألوان الأصلية. كما وأنّ هذه الألوان نفسها يمكن تجميعها لنحصل على الضوء الأبيض. إذن فبوجود الضوء توجد الألوان ويتبع ذلك أنّ طبيعة الضوء تؤثر على طبيعة الألوان فنجد أنّ الألوان تختلف في مظهرها تحت ضوء النهار عنه الإضاءة الصناعية.

كذلك العين يمكنها أن ترى ألواناً لا وجود لها، ويمكن التحقق من ذلك بإدارة قرص بنهام الأبيض والأسود إذا ما دار حول المحور بسرعة في اتجاه عقارب الساعة هنالك تظهر لنا ألوان على أربع مجامع الموجودة على قرص وإذا غيرنا اتجاه الدوران فإنّ وضع الألوان ينعكس. إنّ لون الإشعاعات التي انعكست من هذا السطح تمثل لونه فمثلاً ما ظهر سطحاً أحمر اللون ذلك لأنّه حلل الضوء الساقط عليه فامتص كلّ الإشعاعات ما عدا الإشعاعات الحمراء التي عكسها إلى أعيننا وتقوم الأعين بدورها ينقلها إلى المخ عن طريق مجموعة الألياف العصبية البصري الخاصة باللون الأحمر وبذلك يتكون الإحساس باللون الأحمر.

إنّ أعيننا لا تستطيع أن تحلل الإحساس البصري. بمعنى أنّ العين لا يمكنها التميز بين الرسالة اللون الصادر إليها من لوحة بيضاء مضاءة. وبذلك فالإحساس البصري هو نفسه في الحالتين ولا تستطيع العين فرز لون الضوء النقي الذي حصلنا عليه بمزيج الضوئين.

بالنسبة للإضاءة الملونة فإنّه فسيولوجياً يحدث للعين تكيف داخلي خاص بكلّ لون أنّ أعيينا يريحها الضوء الموحد وبذلك تقوى نسبياً حدة البصر كذلك مع ضوء لمبات أصفر الصوديوم فإنّ العين تكتسب حدة أكبر ولو أنّ العين تتعب بعد فترة من الزمن لعدم تعويدها هذا الضوء أما الضوء الأبيض فهو أقل تعب للعين.

وفي حالة الأضواء المركبة نجد العين لا تتكيف في وقت واحد بالنسبة للألوان المتعددة هذا ما يفسر بعض انفعالات الجمهور أمام الأفلام الملونة حيث تظهر الصورة زائدة التلوين. هذه الألوان طبيعية جداً ولكن العين لم تعط الزمن الكافي كما في الطبيعة لمتابعة رؤية مختلف الأسطح الملونة فنجدها تتعثر لأنّها لم تستطع استيعاب الكلّ في وقت كان كما تتطلبه النفس.►

 

المصدر: كتاب فلسفة الألوان

ارسال التعليق

Top