• ١٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

آفة المخدرات وخطرها على المجتمع

د. همام سعيد

آفة المخدرات وخطرها على المجتمع
◄ميّز الله تعالى الإنسان بالعقل على سائر المخلوقات، ودعاه إلى المحافظة على هذه النعمة الكبيرة، وشرع له الأحكام التي تحقق مقصداً من مقاصد الشريعة الإسلامية الضرورية وهو المحافظة على العقل، فمنع كل ما يلحق الأذى والضرر بالعقل مثل تعاطي المخدرات. فما مفهوم المخدرات؟

   - مفهوم المخدرات:

    تعريف المخدرات في اللغة: المخدرات اسم فاعل خدَّر بتشديد الدال، ومصدره التخدير، ومادة خدَّر وما اشتق منها تطلق في اللغة على عدة معان منها الستر والإسترخاء. والمخدر هو ما يستر الجهاز العصبي عن فعله ونشاطه المعتاد.

    التعريف العلمي للمخدر: المخدر مادة كيميائية تسبب النعاس والنوم، أو غياب الوعي المصحوب بتسكين الألم ويصبح المتعاطي مدمناً عليها".

    - التعريف القانوني:

    المخدرات: مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان، وتسمم الجهاز العصبي ويحظر تداولها أو زراعتها إلا لأغراض يحددها القانون ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص له بذلك.

    - التعريف الفقهي للمخدرات:

    فرق الفقهاء المخدّر والمفتر والمسكر فقالوا: المخدر والمرقد والمفسد واحد في معناه عند الفقهاء، فورد عنهم:

    المرقد: ما غيب العقل والحواس دون أن يصحب ذلك نشوة وسرور.

    المفسد: وهو المشوش للعقل مثل الحشيش والافيون.

    والمفتر: من التفتير يقال: فتر عن العمل فتوراً، أي انكسرت حِدَّته فهو: تكسير للحدة، وتليينٌ بعد الشدة.

    قال ابن حجر المكي: الكبيرة السبعون بعد المائة هي أكل المكسر الظاهر كالحشيشة والأفيون والشيكران. بفتح الشين المعجمة- وهو البنح، وهذه كلها مسكره كما صرح به النووي، ومرادهم بالإسكار هنا: تغطية العقل مع الشدة المطربة؛ لأنها من خصوصيات المسكر المانع.

    ومن العلماء من قال: إن المخدرات منها الطبيعية ومنها الكيمياوية. فأما الطبيعية: فهي مجموعة من النباتات التي تؤخذ وتستعمل كما هي دون تغيير يذكر في مكوناتها، مثل الأفيون والحشيش والقات والكوكايين. وأما الكيماوية: فهي مجموعة المستحضرات التي تستخرج من النباتات السابقة وتمزج بمواد كيماوية بنسبة معينة، إذا أخذت بطريق الفم أو الأنف أو الحقن أدى ذلك إلى نفس النتيجة السابقة، بل أشد خطراً منها.

    - أسباب إنتشار المخدرات:

    1- ضعف الوازع الديني وانعدام التوجيه (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)

    2- البيئة السيئة والعيش في أجواء الانحراف والرغبة في تقليد قرناء السوء في العمل أو المدرسة أو حتى في السجون.

    3- عدم وجود عقوبات رادعة وقصور بعض الإجراءات الأمنية.

    4- التقليد الأعمى للآخرين والذوبان في شخصية المتورطين.

    5- انتشار البضائع الخبيثة وتشجيعها ونشرها وتوزيعها من قبل عصابات مفسدة في الأرض.

    6- المشكلات الأسرية وغفلة الوالدين عن ابناءهم وبناتهم وعدم الرقابة الكافية لهم.

    - موقف الفقهاء من المخدرات:

    1- أجمع فقهاء المذاهب الإسلامية على تحريم إنتاج المخدرات وزراعتها وتعاطيها.

    2- لا مثوبة ولا ثواب لما ينفق من ربحها، والكسب الحرام مردود على صاحبه.

    3- المجالس التي تعد لتعاطي المخدرات مجالس فسق وإثم، والجلوس فيها محرم شرعاً.

    4- لا يحل التداوي بالمحرمات إلا عند تعينها دواءً، وعدم وجود مباح سواها وبقدر الضرورة.

    5- على الكافة إرشاد الشرطة المختصة لمكافحة تجارة هذه السموم القاتلة والقضاء عليها.

    وخلص إلى النتيجة التالية "ونخلص مما تقدم إلى أن المخدرات بكافة أنواعها وأسمائها طبيعية أو مخلقة مسكرة، وأن كل مسكر من أي مادة حرام، وهذا الحكم مستفاد من نصوص القرآن والسنة النبوية، وبذلك يحرم تعاطيها بأي وجه من وجوه التعاطي من أكل أو شرب أو حقن لانها مفسدة، ودرء المفاسد من المقاصد الضرورية للشريعة، حماية للعقل والنفس".

    وبقي هنا جانب يسأل عنه بعض الناس هو استعمال هذه المنبهات كدواء وهذا ما أجاب عنه النبي (ص) عندما سأله رجل عن الخمر، فنهاه عنها، فقال الرجل: إنما أصنعها للدواء. قال (ص) "إنه ليس بدواء ولكنه داء".

    ولا عجب أن يحرم الإسلام التداوي بالخمر وغيرها من المحرمات، فإن تحريم الشيء كما قال ابن القيم: يعني تجنبه والبعد عنه بكل طريق، وفي إتخاذه دواء حض على الترغيب فه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشارع. وقد تنبه إبن القيم إلى جانب نفسي هام فقال: "إن من شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول، وإعتقاد منفعته، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء، وحسن ظنه بها وتلقيه لها بالقبول، بل كلما كان العبد أعظم إيماناً كان أكره لها، وأسوأ اعتقاداً فيها، وكان طبعه أكره لها، فإذا تناولها في هذه الحالة كانت داءً لا دواءً". ومع هذا فإن للضرورة حكمها، فلو أن هذه المنبهات وصفت دواء لمريض يخشى على حياته بحيث لا يُغني عنها دواء آخر- ووصف ذلك طبيب مسلم ماهر في طبه، غيور على دينه، فإن قواعد الشريعة القائمة على اليسر وعلى رفع الحرج، لا تمنع من ذلك على أن يكون في أضيق الحدود الممكنة (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عَادٍ فَإنَّ ربك غَفُورُ رَّحِيمُ) (الأنعام: 145).

    - آثار المخدرات:

    لاشك أن المدمن يشعر بنقص، وأنه ضعيف الإرادة، عبد للمادة التي يدمن عليها، فالمخدرات تؤثر في حكم العقل على الأشياء والأحداث، فيرى القريب بعيداً والبعيد قريباً، ويذهل عن الواقع، ويتخيل ماليس بواقع، وهذا ما يسعى إليه متناولوها حتى ينسوا أنفسهم وديناهم ويسرحوا في أودية الخيال، وانظر إلى أقوال أهل الطب في تأثير المخدرات والمسكرات على العقول أو الجهاز العصبي. ومن تأثير المخدرات على الجهاز العصبي:

    1- يؤثر المخدر في الجهاز العصبي المركزي فيزيد من نشاطه الذي يؤثر في حَدَقة العين ومركز العصب الخامس ومركز القيء.

    2- تنتاب المدمن نوبات من الغثيان والقيء.

    3- تؤدي بعض المخدرات إلى ما يشبه الشلل التام.

    4- انعدام قدرة المدمن على التركيز في التفكير.

    5- زيادة حساسية المدمن لكثير من الأصوات.

    6- ينتاب المدمن حالة من الصداع لا تلبث أن تصل إلى النوم.

    هذا غير ما تحدثه من فتور في الجسد، وخدر في الأعصاب، وهبوط الصحة، وفوق ذلك ما تحدثه من خور النفس، وتميع الخلق، وتحلل الإرادة، وضعف الشعور بالواجب، مما يجعل هؤلاء المدمنين لتلك السموم أعضاء غير صالحة في جسم المجتمع. فضلاً عما وراء ذلك كله من إتلاف المال، وخراب للبيوت، بما ينفق على تلك من أموال طائلة، ربما دفعها المدمن من قوت أولاده، وربما انحرف إلى طريق غير شريف يجلب منه ثمنها.

    وبعد فإن الإسلام بشموليته في تعاليمه يحافظ على ما أسماه الأصوليون الضروريات الخمسة وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال. وفي استخدام هذه المخدرات إعتداء على هذه الضروريات بأكملها. ويكفي أن نشير هنا إلى خطورة المخدرات بما نشرته صحيفة التايم الإمريكية نقلاً عن المسؤول بوزارة الصحة الامريكية الذي ذكر أن ما لا يقل عن 125 ألف شخص يلاقون حتفهم سنوياً في أمريكا بسبب تعاطي الخمور، وأن 6000 شخص يموتون نتيجة تعاطي المخدرات.

    وفي بريطانيا يذكر تقرير الكلية الملكية للأطباء العموميين أن عدد الذين يلاقون حتفهم بسبب تعاطي الخمور هو أربعون ألف شخص، بينما يقدر الكلية الملكية للأطباء الباطنين العدد بحوالي 25 الف شخص سنوياً. وأما عدد الناتجة عن ما يسمى المخدرات فيقدر بـ165 شخصاً في العام. كما يذكر تقرير الكلية الملكية للأطباء النفسيين في بريطانيا.►

 

    المصدر: كتاب الوجيز في الثقافة الإسلامية

ارسال التعليق

Top