• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأخلاق النبوية

عمار كاظم

الأخلاق النبوية

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقدر ما يحث على التزام فضيلة التواضع في التعامل والعلاقات الاجتماعية، فإنّه من ناحية عملية كان المتواضع الأوّل في المسلمين بل النموذج المثالي الرائع في التواضع وبساطة العيش.

عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يقعد». وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: «ما أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متكئاً منذ أن بعثه الله عزّ وجلّ حتى قبض، وكان يأكل أكلة العبد ويجلس جلسة العبد»، قلت: ولمَ ذاك؟ قال: «تواضعاً لله عزّ وجلّ». وعن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويحلب الشّاة ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير. وعلى عظمته وعلو مقامه فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يبدو فرداً من الناس لم يحط نفسه بهالة خاصة، فقد كان يجلس بين أصحابه كواحد منهم فيأتي الغريب فلا يدري أيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يسأل عنه، وكان قريباً سهلاً هيناً يلتقي بأبعد الناس وأقربهم: أصحابه وأعداءه وأهل بيته والسفراء والوفود بلا تصنع ولا تكلف، فكلّ شيء كان يصدر عنه كان طبيعياً على سجيته. ومن تواضعه أنّه كان يبدأ بالسلام على الناس، وينصرف إلى محدثه بكلّه: الصغير والكبير والمرأة والرجل. كان آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا أقبل جلس حيث ينتهي به المجلس، لم يكن يأنف من عمل يعمله لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار أو مسكين، وكان يذهب إلى السوق، ويحمل بضاعته بنفسه، ولم يستكبر عن المساهمة في أي عمل يقوم به أصحابه وجنده، فقد ساهم في بناء المسجد في المدينة وعمل في حفر الخندق في غزوة الأحزاب، وشارك أصحابه في جمع الحطب في أحدى سفراته، وعندما قال له أصحابه نحن نقوم بذلك عنك قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «قد علمت أنكم تكفوني ولكن أكره أن أتميّز عنكم، فإنّ الله يكره من عبده أن يراه متميزاً عن أصحابه». وكان متواضعاً في ملبسه ومشربه ومأكله ومسكنه. وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرني ربي بسبع خصال: حب المساكين والدنو منهم، وأن أكثر من لا حول ولا قوة إلّا بالله، وأن أصل رحمي وإن قطعني، وأن أنظر إلى من هو أسفل مني، ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأن لا يأخذني في الله لومة لائم، وأن أقول الحقّ وإن كان مرّاً، وأن لا أسأل أحداً شيئاً».

الحلم والعفو: من أبرز ما اتصفت به الأخلاق النبوية هو الحلم عن أخطاء الآخرين والعفو عن سيئاتهم. ومن المعلوم انّ الحلم هو عبارة عن ضبط النفس والضغط على المشاعر والانفعالات النفسية إزاء أخطاء الآخرين وممارساتهم السلبية لئلا تتفجر غضباً وحقداً وغيظاً ينعكس سلباً على السلوك والممارسة. وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضيلة الحلم عن المسيء نموذجاً رائعاً كسائر أخلاقه، فهو لا يعرف الغضب إلّا حين تنتهك للحقّ حرمته، أما سوى ذلك فإنّه كان أبعد الناس عن الغضب والانفعال، فهو أحلم إنسان عمن أساء إليه بكلمة أو تصرف خاطىء أو سلوك مشين. قال أنس بن مالك: خدمت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سنين، فما سبّني سبّة قط، ولا ضربني ضربة، ولا انتهرني، ولا عبس في وجهي، ولا أمرني بأمر فتوانيت فيه فعاتبني عليه، فإن عاتبني عليه أحد من أهله قال: دعوه، فلو قُدِّر شيءٌ كان. وروي: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما ضرب امرأة قط، ولا ضرب خادماً قط، ولا ضرب بيده شيئاً قط، إلّا أن يجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ، ولا نِيَل منه فانتقم من صاحبه إلّا أن تنتهك محارمه فينتقم. وعن أنس أيضاً قال: كنت أمشي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فأخذ برداءه فجبذه (جذبه) جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أثرت به حاشية الرّداء من شدة جبذته. ثمّ قال: يا محمّد مُرْ لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضحك وأمر له بعطاء. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أوصاني ربي بسبع: أوصاني بالإخلاص في السرّ والعلانية، وأن أعفو عمن ظلمني، وأعطي مَن حرمني، وأصل مَن قطعني، وأن يكون صمتي فكراً، ونظري عبراً. وكما كان في صفة الحلم فقد كان في صفة العفو أيضاً. ومن عظيم عفوه ما تجلى يوم فتح مكة، فبالرغم من القسوة والوحشية اللتين عومل بهما جسد عمه حمزة بن عبدالمطلب في معركة أُحُد، لم يلجأ إلى الانتقام من وحشي قاتل حمزة، ولا من هند زوجة أبي سفيان التي مثلت بِجَسِدِه، مع أنّهما كانا في قبضته وكان يستطيع معاقبتهما والنيل منهما. كما أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عفى عن أهل مكة يوم الفتح ووقف منهم موقفاً رحيماً بالرغم من كلّ العذاب والمعاناة والآلام وأنواع الأذى الذي صبته قريش عليه على المسلمين قبل الهجرة وبعدها، وبالرغم من مؤامراتها وحروبها وأرهابها فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقف على باب الكعبة بعد الفتح مخاطباً أهل مكة: ما ترون أني فاعل بكم؟ قالو: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم. قال: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء. وعندما قال أحد أصحابه: اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): اليوم يوم المرحمة اليوم تُرعى الحرمة. بهذه النفس الرحيمة، وبهذا الخلق الرفيع والسلوك الحضاري الذي لم يعرف التأريخ له نظيراً يعامل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشد الناس عداوة له، بعد أن تمكن منهم ومن رقابهم، انّه الخلق النبوي المحمّدي الأصيل.

ارسال التعليق

Top