• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأُسرة في خُطى المسؤولية

الأُسرة في خُطى المسؤولية
لكلّ سلوك أثره:

محيط الأُسرة هو طبيعة الحياة، من خلال العلاقات التي تسود فيها من الحبّ والاحترام والتعاون والتفاهم والإيثار والإنفاق المالي والنظام والعناية بالشخصية والحرص على الوقت والجدّ أو المشاكسة وعدم الانسجام، والخلافات والأنانية والكسل والفوضى وتضييع الوقت والثرثرة وكثرة الجدل والخصومة لأتفه الأسباب. كلّ هذه الأوضاع يمكن أن تكون في الأسرة الحسن منها والسيّئ، ولكلِّ سلوك أثره في تكوين الأسرة وطبيعة أفرادها، فكما يحمل الأبناء في كثير من الأحيان الصفات الوراثية الجسدية من الآباء، فإنّهم ربما يحملون الصفات النفسية أيضاً، كما يتلقّون من الأسرة سلوكها وطبيعة الحياة فيها فتنطبع بها شخصياتهم، فهم يتلقّون من أسرتهم العادات السيئة والحسنة. والطريق إلى تنقية أجواء الأسرة من المشاكل والمنغّصات وحالات التوتر وعدم الاستقرار المساهمة الفعّالة في صُنع السلوك الحسن والعمل دون حصول الحالات السيِّئة، فإنّ حصول الجوّ السيِّئ في الأسرة يسيء إلى أفرادها جميعاً ويحوّل جوّ السعادة إلى شقاء، فالأسرة هي الواحة التي تستريح فيها من متاعب العمل والمشاكل التي تواجهنا في الحياة.

 

ضرورة الانسجام:

إنّ وجود جوّ المودّة والمحبّة والاحترام الذي يعيشه أحدنا في أسرته ينسيه متاعب الحياة، ويخفّف عنه أزمة القلق والضجر، في حين تبعث الأجواء المعقّدة على الكآبة والضجر والقلق، وتُذهب براحة الفرد وسعادته النفسية وتحول دون تقدّمه في عمله ودراسته، وتؤثر على صحّته وسلامة تفكيره. إنّ رابطة الأخوّة بين الأبناء رابطة قويّة متينة وتعميقها وترسيخها دليل على تفهّم الإخوان لمعنى الأخوّة، ودليل على رقيّ وضعهم الأخلاقي، والعيش في الأسرة يتطلّب من الجميع أن يكونوا منسجمين، فالانسجام يتحقّق في الحبّ والإيثار والتحية والهدية والاحترام المتبادل وتناول الطعام في مأدبة مشتركة. إنّ العفو والتسامح والسيطرة على النفس عند الغضب موقف أخلاقيّ يكشف عن قوّة الشخصية وسلامة النفس من الحقد والروح العدوانية. كما أنّ الهدايا بين أفراد الأسرة تجلب المحبّة وتوطّد العلاقة، فالهدية تُعبّر عن شعوركُ تُجاه الآخر، كما تعبّر عن الاهتمام والتكريم والرغبة في الودّ.

 

أهمية الوقت:

ومن المسائل الأساسية في نظام الأُسرة مسألة تنظيم الوقت، فكثيرٍ من الأسر لا تُحسن استعمال الوقت أو الاستفادة منه، ويُلاحظ على بعض أفرادها الكسل والخمول، فنجد مثلاً السهر الطويل والاستمرار في النوم إلى ساعات متأخّرة من النهار أو تضييع الوقت بالثرثرة أو الإسراف في مشاهدة التلفزيون، فيتأثّر بذلك مثلاً وضع الأبناء الدراسي أو روح الجِدّ والنشاط، وتلك عادة غير حسنة لابدّ من التغلّب عليها، ينبغي للأسرة أن تضع نظاماً ناجحاً يعتمد بشكلٍ كبير على أساس الاستفادة من الوقت، كالتعوّد على النوم المبكر والنهوض المبكر، واستثمار الوقت داخل الأسرة بالدراسة أو الأعمال اليدوية والفنية النافعة، أو التدريب على استعمال بعض الأجهزة العلمية، أو القراءة والمطالعة وإلى ذلك من أعمال مفيدة.. وبالتعوّد على العمل والجدّ يُربّى الأبناء على تلك العادة الحسنة فيكتسبون صفة الجدّ والنشاط والعمل.

 

مفهوم الرحمة:

لقد أراد الله تعالى لأنبيائه ورسله أن يكونوا مظهر الرحمة المهداة إلى العالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107)، ومن سيرة النبيّ (ص) الحافلة بالرحمة، وسيرة أهل بيته (عليهم السلام) الذين أشاعوا الرحمة، وسيرة أتباعه المخلصين الأتقياء ذاع مفهوم الرحمة الإسلامية وأصبح شعار المسلمين: "إرحم مَن في الأرض يرحمك مَن في السماء". فالإنسان بالإضافة إلى الرحمة الإلهية المودعة في قلبه يأخذ الدرس من والديه الكريمين الرحيمين يعلّمه كيف يكون رحيماً بهما وبالناس من حوله، وتأتي دعوة الله إليه بالإحسان إليهما حين يبلغ أحدهما أو كلاهما الكبر، كما أنّه مطالب دائماً وفي كلِّ مراحل عمرهما باللطف والرأفة بهما. ينبغي على الأبناء أن يعيشوا روحية، وقُل ربي ارحمهما كما عانيا في تربيتي وكما تعبا وسهرا على راحتي وإسعادي، وكما بذلا من الجهود لتوفير احتياجاتي، وكما قلقا في مرضي وسفري وكما دَعَوا لي في ظهر الغيب وفي أوقات الشدّة والحاجة إلى التوفيق والرحمة، وكما شقيا لسعادتي وكما غرسا في عقلي وقلبي منابع الرحمة. الإنسان مدعوّ للرحمة بالوالدين في القول والفعل وفي العدل وفي البذل (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء/ 24).

 

الكاتب: عمّار كاظم

المصدر: كتاب مفاهيمُ خيرٍ وصلاح

ارسال التعليق

Top