• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام عليّ (عليه السلام).. قائداً ونموذجاً يُحتذى به

عمار كاظم

الإمام عليّ (عليه السلام).. قائداً ونموذجاً يُحتذى به

إنّ قضية الغدير تستحوذ على الاهتمام وتثير الانتباه من عدّة زوايا وأبعاد مختلفة، فلا ينبغي أن نتصوّر أنّ عيد الغدير كغيره من سائر الأعياد، حتى لو اتصفت جميع الأعياد الإسلامية بما لها من أبعاد ومعانٍ ومضامين، إلّا أنّ عيد الغدير يبقى فريداً ومتميزاً من بينها دون سواه.

إنّ أحد أبعاد هذه القضية يتجلّى في اتجاه الإسلام ومسيرة الحركة الإسلامية، وهو بُعد الولاية الذي يعتبر من عقائدنا الدينية، أي الإيمان بالإمامة وتنصيب النبيّ للإمام الذي يُعدّ في الحقيقة تنصيباً من الله تعالى. إنّ هذا هو أحد أبعاد القضية الذي لو نظر إليه المسلمون بعمق وإمعان لأدركوا أنّ هذه الحركة العظيمة التي قام بها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أثناء الحجّ ولدى العودة من أداء المناسك وفي عرض الصحراء وفي الأيّام الأخيرة من عمره المبارك والمناداة بأمير المؤمنين وتقديمه لجموع الحجيج بالقول: «مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» بكلّ ما تقدّمها من تمهيدات وما تلاها من نتائج، ليس سوى حركة مهمّة لا تنطوي إلّا على معنى ومضمون واحد، ألا وهو تحديد خطّ الحكومة والولاية في الإسلام بعد رحيل النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).

إنّ الإسلام منذ ظهوره ونشأته يهدف إلى إدارة شؤون البشرية وحياتها، وهنا نلمس فرقاً جوهرياً ومعنوياً بين الحركة الإسلامية وسواها من الحركات الأُخرى.. فالإسلام يصبوا إلى إدارة الحياة الدُّنيوية والأخروية لبني الإنسان، ويسعى إلى منح البشرية ما ينبغي لها من كمال وسمو حقيقي فضلاً عن تنسيق وتنظيم حياتها اليومية المعهودة. فهذا هو ما يأخذه الإسلام على عاتقه، وهذا هو معنى الإمامة على وجه الدقة. لقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إماماً بهذا المعنى كما ورد في رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) عندما نادى بصوته بين الحجيج في (منى) قائلاً: «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو الإمام». إنّ معنى الإمام هو حاكمية الدِّين والدُّنيا في حياة الناس. وأمّا البُعد الآخر فهو تلك القيمة المعنوية التي تتميّز بها تلك الشخصية وذلك الرجل الذي نصبه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خليفة له ووليّاً في تلك الواقعة، أي أمير المؤمنين (عليه السلام).

إنّ الشخص العادي مهما بلغ،‌ لا يمكنه أن يتوفّر حقيقةً على كلّ تلك الكمالات الإنسانية التي تخوّله للحصول على مثل هذا المنصب، حيث أنّ محاسبة من هذا النوع لابدّ لها من دقة إلهيّة تفوق قدرة البشر. وبمثل هذه المحاسبة الدقيقة وجد نبي الإسلام العظيم أنّ مثل هذا المنصب وهذا المقام لا يليق إلّا بأمير المؤمنين ولا يناسب أحداً سواه. لقد كان هذا واضحاً منذ صدر الإسلام، ولذلك فقد تعيّن أنّ الذي يتقلّد مثل هذا المنصب لا يمكن أن يكون شخصاً عادياً، بل لابدّ له وأن يكون من نفس طراز أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأن ينهل من منهله على مرّ حقب تاريخ الإسلام.

لقد كان أمير المؤمنين يتوخى العدالة والمُثل الأخلاقية والتوحيد والعمل لوجه الله والمساواة بين أفراد المجتمع والنظر إليهم جميعاً بعين العطف والشفقة. إنّ أمير المؤمنين يقول لأحد عمّاله: «إنّ الناس إمّا أخٌ لك في الدِّين أو نظير لك في الخلق» فيا لها من نظرة واسعة وعميقة. إنّ الإنسان الذي يريد أن يربّيه أمير المؤمنين هو الذي لا يُفرّق بين الواحد والآخر من حيث الرأفة والمحبّة والعطف. وهناك بُعد آخر، وهو التعامل مع الأخطاء والتجاوزات والخيانة بحزم وقاطعية. لقد كان أمير المؤمنين لا يغض الطرف عن التجاوز والخيانة والانحراف عن سبيل الله حتى من أخصّ أقربائه، فالرأفة والشفقة في كفة والجدّ والقاطعية والانضباط في كفة أُخرى.

ارسال التعليق

Top