• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

البطالة في العراق: مخاطر وحلول

د. حيدر حسين آل طعمة

البطالة في العراق: مخاطر وحلول

تشترك جميع البلدان النفطية بهيمنة العوائل الحاكمة على السلطة والموارد المالية والاقتصادية مقابل توفير الخدمات وفرص العمل والعيش الكريم للمواطن. في العراق القصّة تختلف تماماً، رغم كونه الأغزر من حيث الاحتياطي والإنتاج بعد المملكة العربية السعودية.

إذ يرافق هيمنة الأحزاب على مقاليد السلطة والموارد المالية والاقتصادية طوق من البؤس والفقر والشقاء يخنق جزء كبير من الشعب العراقي المحروم. فبالإضافة إلى الهيمنة الحزبية على مؤسّسات الدولة، ينتشر الفساد المالي والإداري وتنتفخ ظاهرة البطالة بشكل مرعب ويزداد الفقر والحرمان لشرائح واسعة من المجتمع العراقي.

في السنوات السابقة كانت الخدمات العامّة (الملف الطاقة الكهربائية تحديداً) تهديد مستمر يبدأ مع ارتفاع درجات الحرارة في المدن الجنوبية، والبصرة بشكل خاص. وقد تداركت الحكومة بدهاء ملف الطاقة الكهربائية، ومؤخراً ملف الماء الصالح للشرب، في البصرة لنزع فتيل الأزمة. مع ذلك، أغفلت الحكومات السابقة والحالية الأسباب الرئيسة للمشاكل التي يعيشها العراق والتي تدفع البلد باتجاه الجزء الحاد من الأزمة، وقد تدخل العراق في نفق اللااستقرار السياسي والأمني والاقتصادي بمديات لا تُحمد عُقباها.

في مناسبات متعدّدة ذكرنا بأنّ مشكلة البطالة هي الجزء الغاطس من جبل الجليد وهي قنبلة موقوتة لا مناص من انفجارها اليوم أو غداً. ما يثير القلق والغضب أيضاً، إغفال الحكومة لمعدلات البطالة المتصاعدة، إذ أنّ معدل نمو السكان والأعداد الهائلة من الخريجين سنوياً تضيف باستمرار الالاف لجيش البطالة الباحث عن فرص للعمل لتحقيق أبسط متطلبات الحياة.

 ولا يقابل هذا العدد، ولنفترض 250 ألف شخص يضاف سنوياً لقوى العمل المتراكمة، ما تطرحه الحكومة من درجات وظيفية لا تتجاوز 5000 درجة في السنوات الأخيرة.

 هل يعني ذلك بأنّ الحل في توفير درجات وظيفية حكومية؟ الجواب قطعاً كلا ولعدّة أسباب، أهمّها تخمة دوائر الدولة بالموظفين الحكوميين إذ فاق العدد الإجمالي (4) مليون موظف في حين أشارت بعض الدراسات إلى إمكانية توظيف أقل من 500 ألف موظف فقط دون أن تتأثر مخرجات المؤسّسات الحكومية وخدماتها.

 من جانب آخر فإنّ ضعف الجانب التمويلي يمثِّل قيد على إمكانية توسيع الإنفاق الجاري باتجاه توفير درجات وظيفية كافية، والسبب الآخر هو كون التوظيف الحكومي حل غير مستدام لامتصاص المعدلات المتزايدة من القوى العاملة في العراق.

ما العمل؟

إنّ معالجة مشكلة البطالة ليس بالأمر المستحيل في بلد نفطي غنيّ بالموارد والإمكانات الاقتصادية لكن بشرط توفّر الإرادة الوطنية والنزاهة والكفاءة والإخلاص، وهذه للأسف مفقودة في الحكومات العراقية المتعاقبة، مع ذلك، قد تدفع الضغوط الأخيرة الحكومة الحالية إلى التفتيش عن حلول جديدة لمعالجة مشكلة البطالة بأبعادها المختلفة، ومن تلك الحلول:

1- إلزام الشركات الأجنبية بالاستعانة بالكوادر العراقية بعد إجراء التدريب والتأهيل اللازم لزجّهم في المشاريع الحكومية وبالخصوص في القطاع النفطي الذي يقدر العاملين فيه من جنسيات أجنبية قرابة (74) ألف عامل في الوقت الذي يعاني فيه الالاف من خريجي الكليات والمعاهد النفطية من البطالة.

2- التعجيل بمشاريع الشراكة بين مؤسّسات القطاع العام والخاص والتركيز تحديداً على المشاريع المتلكئة والمتوقفة لأجل إعادة تشغيلها وتشغيل الأيدي العاملة العراقية.

3- إيقاف الاستيراد المنفلت للعمالة الأجنبية (البنغلادش بشكل خاص) رغم ما يدعيه البعض من نشاط هذه الفئة من العمّال وإخلاصهم في العمل. إذ تدفع المعدلات العالية من قوى العمل العراقية صوب المنافسة وبالتالي يحرص الكثيرون على تقديم جهودهم بجودة وإخلاص وتفاني حرصاً على الاستمرار في شغل الوظائف.

4- تركيز الحكومات على مشروعات البنية التحتية لدورها في تعجيل البناء والإعمار من جهة ولكونها مولدة لفرص العمل بشكل كثيف من جهة أُخرى.

5- الاستمرار في إطلاق مبادرات مالية لتحفيز قطاع الإسكان في العراق نظراً لتفاقم مشكلة السكن في العراق من جهة، وأيضاً لما لهذه القطاعات من ارتباطات خلفية وأمامية بشرائح متعدّدة من القوى العاملة من جهة أُخرى.

6- معالجة أوجه القصور التي تعتري وظائف القطاع الخاص وتزيد من رغبة الجمهور في الانخراط في المؤسّسات الحكومية عبر توفير حزمة من المزايا أهمّها التقاعد والحماية الاجتماعية والرعاية الصحّية وغيرها.

7- انشاء صندوق تعويضات البطالة تخصص أمواله للعاطلين عن العمل عبر منحهم رواتب نقدية (بدل بطالة) لحين إيجاد فرصة عمل مناسبة لهم.

8- انشاء مجمعات تجارية تستوعب أصحاب الاكشاك والباعة المتجولين في مختلف مناطق بغداد والمحافظات لتأمين مستوى معاشي لائق لهذه الشريحة المنهكة في المجتمع.

9- تفعيل برامج التدريب والتأهيل لكافة العاطلين عن العمل لأجل منحهم مهارات تناسب سوق العمل وتمكنهم أيضاً من إيجاد فرص عمل جيِّدة.

10- توفير قروض لتأسيس المشاريع المتوسطة والصغيرة من خلال صندوق القروض المدرة للربح في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أو منح العاطلين عن العمل قروضاً عبر تفعيل مبادرة البنك المركزي لإقراض الشباب.

11- توفير مظلة دعم مالي وإسناد تشريعي للقطاع الخاص للشروع بالقطاعات الإنتاجية المختلفة والبدء بتوفير السلع المتنوعة عبر تصنيعها في العراق. ويوفّر ذلك جملة مزايا أهمّها تشغيل الأيدي العاملة وتوفير سلع منافسة للمنتج الأجنبي في الداخل والخارج فضلاً على توفير العملة الأجنبية للبلد بدلاً من استنزافها في استيراد مختلف أنواع السلع والخدمات الأجنبية.

12- إعادة النظر بالنظام التعليمي في العراق ومحاولة معالجة الانفصام القائم بين مخرجات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومتطلّبات سوق العمل.

13- إقامة مؤسّسات حكومية للتأهيل والتدريب وتخريج الكوادر الوسطية والحرفية لتسهيل انخراطهم في أسواق العمل وحصولهم على فرص مناسبة.

ارسال التعليق

Top