• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحفاظ على أمانة الوقت

عمار كاظم

الحفاظ على أمانة الوقت

من المعلوم إنّ لله تعالى لا يُقسِم إلّا بعظيم، وكلما تكرَّر القسم بشيء دلَّ على أهميّته، ولو تدبَّرنا قوله تعالى: (وَالْفَجْرِ) (الفجر/ 1)، وقوله عزّوجل: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) (الليل/ 1-2)، وقوله سبحانه: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) (الضحى/ 1-2)، لوجَدنا أنّها أجزاء الوقت. ثمّ تدبَّر أيضاً قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ) (العصر/ 1) تُدرك أنّه أقسم بالزمان كلِّه، وما هذا إلّا لأهميّته، وهذه الأهميّة مصدرُها أنّ الوقت هو الزمن الذي تقع فيه الأعمال، وهذه الأعمال (خيرها وشرّها) هي التي يُقدِّمها البشر؛ لينالوا بها جزاء الخالق.

تبيّن لنا أهميّة الوقت في القرآن الكريم؛ فهو في الحقيقة حياتُنا على هذه الأرض؛ لكي نُقدِّم فيها ما يوصِّلنا إلى الغاية التي لأجلِها خُلقْنا، فالوقت هو الحياة، والوقت نِعمة وأمانة يُضيِّعها كثير من الناس، يُضيِّعونها على أنفُسِهم، وعلى أُمَّتِهم؛ قال النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): «نِعمتان مَغبون فيهما كثير من الناس: الصحّة، والفراغ».

وللوقت خاصية، وهي أنّه إذا ذهب لم يَرجِع.. وهذا يَدفعنا لاستغلال كلّ لحظة منه. إذا تنبّه العاقل، وتذكّر ما مضى من أيّام عمره، فإنّه يندم على الساعات التي قضاها في اللهو والبطالة، وأشد ساعات الندم حين يُقبِل المرء بصحيفة عمله، فيَرى ما لا يحبُّ أن يرى؛ قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) (الفجر/ 23-24)، وقال تعالى: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (الزمر/ 56)، فالعاقل مَن ندِم اليومَ حيث يَنفعه الندم، واستقبل لحَظات عمره، فعمَّرها قبل أن يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه الندم.

 وحتى يكون الوقتُ أو الزمن مهراً للجنّة، لابدّ من أن تكون «الدُّنيا مزرعة الآخرة» بمعنى أنّ الجنّة صناعة أرضية، نحنُ الذين نزرعُ جنّاتنا غداً، بما نزرعهُ في دُنيانا من أعمال صالحة، ذلك أنّ سعة وطبيعة كلّ جنّة تابعة لمدى الجدّ والجهد الدُّنيوي الذي بُذل من أجل وضع لبنات إضافية إلى قصورنا هناك، هي ليست مصمّمة تصميماً نهائياً وبقدر أو حجم معيّن، هي بناءٌ مفتوحٌ قابلٌ للاتساع والإشباع والإمتاع الأكثر، من جهدنا في زراعتنا الدُّنيوية وبنائنا الأرضي، بمعنى أنّنا يمكن أن نتخيل مساحة قصورنا في الجنّة بمساحة عملنا في الدُّنيا على نحو تقريبي، لأنّ سعة الرحمة توسّعُ في مساحة العطاء والجزاء. قال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة/ 7-8).

ارسال التعليق

Top