• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السبيل الأمثل لحل الخلافات هو الحوار والتعايش

عمار كاظم

السبيل الأمثل لحل الخلافات هو الحوار والتعايش

الحوار.. التفاهم.. التعاطي.. التعايش.. اللجوء إلى الأساليب السلمية هو الحلّ الأفضل، وقد علَّمنا الله عزّوجلّ في كتابه أن نأخذ بالتي هي أحسن في مواجهة المشكلات التي تثير النزاع، وذلك هو قوله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت/ 34). هذا هو الخطّ الإسلامي في الرفق والعُنف؛ أن ينطلق الأسلوب بالطريقة التي تحوِّل فيها الأعداء إلى أصدقاء، لا أن تحوِّل الأصدقاء إلى أعداء. وقد ورد في الحديث الشريف: «إنّ الله رفيق يحبّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العُنف».

يلعب الحوار دوراً مهماً وبارزاً في حلّ الكثير من الخلافات، وإزالة الحواجز النفسية والتصوّرات الظالمة أو الخاطئة. لابدّ من التنبيه إلى أنّ الحوار رغم كونه أسلوباً حضارياً في التخاطب والتفاهم وتسوية الخلافات والصراعات وتنضيج الرُّؤى، لكنّنا لا نلجأ إليه دائماً. فقد نعمد إلى استخدام القوّة أو التهديد أو إلحاق الأذى المادّي والمعنوي بالآخر لأنّنا نعجز عن إقناعه بالحوار الهادئ المتزن السليم الذي يعبّر عن إنسانية الإنسان، وعن تقديره لقيمة عقله وعقل غيره. وعلى هذا، فالشخص الذي يمارس الأسلوب الثاني في التعامل، أي إنّه يستخدم (أسلوب العُنف) لا (أسلوب الحوار) قد يُتهم أو يُوصف بأنّه متخلّف، أو انفعالي.. لقد كان أمام (قابيل) فرصة لأن يستخدم عقله ويحكّمه في النزاع الدائر بينه وبين أخيه، وهو في الحقيقة نزاع من طرف واحد، أي من طرف قابيل وحده. فلو حاوره وجادله بالتي هي أحسن، فلعلّه يقرّ بالحقيقة التي يكشفها الحوار العقلي، لكنّه آثر استخدام المنهج الآخر واعتماد أسلوب العُنف الذي أدّى إلى قتل أخيه. قريش جابهت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعُنف.. لكنّه لم يواجه عنفهم بعنف.. وحين تمكّن منهم في فتح مكّة سألهم: «ما تروني صانعاً بكم؟!». قالوا: أخٌ كريم وابنُ أخ كريم! قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «اذهبوا فأنتم الطلقاء»! لم يجدها فرصةً لينتقم أو ليثأر من أيّام كانوا يدمون وجهه وأقدامه، ويعذّبون أصحابه وأتباعه.. أهل بيته (عليهم السلام) فعلوا مثلما فعل (صلى الله عليه وآله وسلم).. قابلوا الإساءة الكبرى بالعفو والتسامح والصفح.

الحوار لا يستهدف شيوع حال الفوضى في الآراء والمواقف، وإنّما تضييق مساحات الخلاف والنزاع، وإبراز عناصر الوحدة والائتلاف. فمن ساحة الحوار تنتج الوحدة، وبالحوار تضمحلّ الخلافات، وتزول أسباب الصراع العُنفي. إنّ تواصل الحوار بين الأطراف المختلفة، فئات أو أفراداً، يفضي مع مرور الزمن إلى تقلّص شقة الخلاف بينهم، وذلك لدخول هذه الأطراف في استفادة بعضها من بعض، حيث إنّ هذا الطرف أو ذاك قد يأخذ في الانصراف عن رأيه متى تبيّن له، عند مقارعة الحجة بالحجة، ضعف أدلّته عليه، ثمّ يتّجه تدريجياً إلى القول برأي مَن يخالفه، أو يأخذ، على العكس من ذلك، في تقوية أدلّته متى تبيّنت له قوّة رأيه، مستجلباً مزيد الاهتمام به من لدن مخالفه، حتى ينتهي هذا المخالف إلى قبوله والتسليم به.

ارسال التعليق

Top