• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السيِّدة زينب (عليها السلام) حاملة اللواء والرسالة

عمار كاظم

السيِّدة زينب (عليها السلام) حاملة اللواء والرسالة

إنّ السيِّدة زينب (عليها السلام) التي احتضنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضمّها إلى صدره، أذّن في أذنها اليمنى وأقام في اليسرى، ودعا الله أن تكون قرّة عين له ولأُمّها وأبيها (عليهما السلام)، وأن تكون في خدمة الإسلام والمسلمين، بعدها توجّه إلى الزهراء (عليها السلام) والإمام عليّ (عليه السلام)، وقال لهما سمياها زينب.. عاشت السيِّدة زينب (عليها السلام) طفولتها الأولى في كنف جدّها رسول الله، الذي أغدق عليها حبّاً وعاطفة وحناناً، كما أغدق على أخويها الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، وتربّت في بيت لم يكن كبقيّة البيوت، بيتٍ كان مهبط قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بيت يفِدُ إليه في ذهابه وإيابه وقبل سفره وبعد رجوعه منه، هو البيت الذي لطالما نزل فيه الوحي: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب: 33)، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) (الإنسان: 8-9)، (قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى: 23).

هو بيت الخُلُق والعلم والبطولة والبلاغة والعبادة والصبر والجهاد في سبيل الله.. في هذا البيت، ترعرعت السيِّدة زينب (عليها السلام) وعاشت، فحظيت برعاية أُمّها (عليها السلام) في حياتها القصيرة معها، وبعد ذلك، برعاية أبيها الإمام عليّ (عليه السلام)، الذي حرص على أن تُصاحبه إلى كلِّ الأمكنة التي تنقّل فيها، فكانت تسكن حيث يسكن، لم تفارقه حتى بعد زواجها، وحتى بعد انتقاله إلى الكوفة عندما تسلّم الخلافة. وهي الصابرة، فقد واجهت (عليها السلام) أمرَّ المصائب التي مرّت على هذا البيت الطاهر، إذ عاشت مصاب فَقدِ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومعاناة أُمّها الزهراء وأبيها (عليهما السلام)، وما عاناه الإمامان الحسن والحسين (عليهما السلام)، لكنّها كانت تواجه كلّ ذلك بإيمان وصبر وعنفوان.

كان الإمام الحسين (عليه السلام) يستشيرها عند كلّ موقف، وكان يجد لديها الحكمة والعقل الراجح وحسن التدبير. كانت (عليها السلام) تعرف حجم التحدّيات التي ستواجهها مع الإمام الحسين (عليه السلام) وبعده؛ والتضحيات التي ينبغي أن تعدّ نفسها لها، فقد كان عليها أن تجمّد عاطفتها لحساب الرسالة، لذا التزمت جيِّداً بما قاله (عليه السلام) لها: «يا أختاه، إنّي أقسمت عليك فأبِرّي قَسَمي، إذا أنا قُتلت فلا تَشقّي عليَّ جيباً، ولا تَخمشي عليَّ وَجهاً، ولا تَدعي عليَّ بالويل والثبور».

إنّ علاقة السيِّدة زينب (عليها السلام) بالله تبارك وتعالى تعطينا صورة واضحة عن مدى تأثير تلك العلاقة في روحها التي تنمرت في ذات الله ولم تأخذها فيه لومة لائم. السيِّدة زينب (عليها السلام) التي وَاكبت حركة أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) خطوة بخطوة وكانت مثله صبراً وتحدّياً وثقة بالله وشجاعة في مواجهة المواقف الصعبة. السيِّدة زينب (عليها السلام) أمست وحيدة في ساحة كربلاء.. الساحة التي امتلأت بجثث الشهداء من أهل بيتها (عليهم السلام)، وترى النِّساء والأرامل والأطفال اليتامى لا مُعيل لهم، فتُدِخل السكينة على قلوبهم وتُهدئ من روعهم وتقدّم أغلى وأعزّ ما لديها بنفس راضية بقضاء الله تعالى وقدره ومطمئنة إلى جزاء الله الأوفى.

ارسال التعليق

Top