• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصدق والأمانة.. أساس الاستقرار

عمار كاظم

الصدق والأمانة.. أساس الاستقرار

الله تعالى يريد للإنسان أن يكون صادقاً في حديثه، بحيث لا يغيّر الحقيقة، بل يتحدّث عنها بشكل دقيق، وفي خطّ هذا الصدق في الحديث، يأتي الصدق في النيّة، فلا يعيش الإنسان الغش في نيّته تجاه الناس، والصدق في الموقف، فلا يقف الموقف المنحرف الذي يبتعد به عن القضية الكبرى أو عن مصلحة الناس. وهكذا في مسألة الأمانة، أراد الله تعالى للإنسان أن يكون أميناً على أموال الناس وأعراضهم، وفي المسؤوليات التي يتحمّلها، وأميناً على التكاليف التي كلّفه الله بها، بحيث لا ينحرف عن خط الأمانة، فلا يخون الله في شريعته ورسالته، ولا يخون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يخون الناس في علاقاته بهم.

الله تعالى يريد للمؤمن أن يكون صادقاً في وعده وعهده وفي حديثه مع الناس كلّهم، حتى إنّه ورد: «لا يكذب الكاذب وهو مؤمن»، فالكذب يُخرج الإنسان من الإيمان الذي يمثِّل الارتباط بالحقيقة، لأنّ الكذب يمثّل الارتباط بغير الحقيقة. وهكذا بالنسبة إلى الأمانة، وهي تمتد إلى المسؤولية، فإذا كنت موظفاً في دائرة، فعليك أن تكون أميناً على وظيفتك فلا تعبث بها، وإذا كنت عاملاً في متجر أو في أيّ موقع، فإنّ عليك أن لا تخون الأمانة في ذلك فتمدّ يدك إلى المال الذي لا تستحقّه، وعندما تنشئ عائلةً فعليك أن تكون أميناً على عائلتك، سواء كنت زوجاً أو زوجةً، بحيث يؤدي كلّ منكما للآخر حقوقه، ولا يخون أيّ منكما الأمانة الزوجية، لأنّ الزواج يمثّل أمانة الله لدى كلّ من الزوجين.

وهذا هو الذي يمكن أن يؤدي إلى استقرار المجتمع وثقته، بأن يكون أفراد المجتمع صادقين وأُمناء، بحيث يأمن بعضهم بعضاً، ويشعر كلّ منهم بالاطمئنان، والثقة بأنّه لا أحد يكذب عليهم، ولا يتعرّضون للخيانة. أمّا إذا كان الناس يتعاملون بالكذب ويتحرّكون بالخيانة، فإنّ المجتمع لن يستقر، بل سيعيش أفراده في قلق دائم إزاء كلّ حديث أو وعد أو عهد، من أن يكون مَن وعدهم أو حدّثهم أو عاهدهم كاذباً. ولذلك اعتبر الإسلام أنّ الصدق في الوعد والحديث هما أساس العدالة، وورد: «مَن عامل الناس فلم يظلمهم ـ كان أميناً على أموالهم وأوضاعهم ـ وحدّثهم فلم يكذّبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته».

هذا هو الخطّ الإسلامي، وهذا هو العنوان الكبير لشخصية النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن يُبعث بالرسالة، فقد كان النبيّ في مجتمعه ـ قبل أن يكون نبيّاً ـ يُعرف بـ»الصادق الأمين»، حتى غلب هذا اللقب على اسمه. ونجد أنّ عليّاً (عليه السلام) عندما كان يتحدث عن علاقته برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يتحدّث عن أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجد عنده أي كذبة أو خلل في الصدق. وورد في بعض الأحاديث: «إنّ الله لم يبعث نبيّاً إلّا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر»، وورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: «إنّ ضارب عليٍّ بالسَّيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحن واستشارني ثمَّ قبلت ذلك منه، لأدّيت إليه الأمانة».

وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في كيفية معرفة المؤمن ـ لأنّ بعض الناس يعتبر أنّ المؤمن هو الذي يصلّي صلاة الليل ويسبّح ولا يعرف إلّا سجادته وسُبَّحته وقرآنه، ومع أنّ هذه الصفات هي من مظاهر الإيمان؛ إلّا أنّها ليست الدليل عليه ـ يقول (عليه السلام): «لا تغترُّوا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربما لو لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ـ بعض الناس تتحوّل الصلاة والصيام عنده إلى عادة كبقية العادات. ألا نجد أنّ بعض الناس يصوم في شهر رمضان مثلاً ولا يصلّي؟ ـ ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة»، انظروا إلى الشخص إذا حدّث هل يصدق أو يكذب؟ وإذا ائتُمن هل يخون الأمانة أو يؤدّيها؟ فإنّ ذلك دليل إيمانه من عدمه.

ارسال التعليق

Top