• ١٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العلم الغذائي في الصغر كالنقش على الحجر

العلم الغذائي في الصغر كالنقش على الحجر

كيف نربي أجيالاً سليمة بلا سمنة؟

ماذا يأكل طفلكِ؟ سؤال يُوجّه بإلحاح إلى كل امرأة أنجبت وترى نور الحياة في عينيّ طفلها. ماذا يأكل أطفالكنّ؟ سؤال لكِ؛ لكنّ، ولكلِّ نساءِ الأرض اللواتي يراقبن فلذات قلوبهنّ وهم ينمون بالشبر والنذور. ماذا يأكل الأطفال؟ سؤال وُجِّه بصوت عالٍ، عالٍ جداً على مساحة العالم العربي، وسمعنا أجوبة كثيرة مقرونة بكثير من الحب وبكم من المعلومات. فماذا يأكل الصغار وماذا يفترض أن يأكلوا أو ألّا يأكلوا كي تتحقق مقولة "غذاء سليم.. أجيال سليمة"؟

تحلقت مجموعة من بنات حواء حول طاولة تضم مختلف أنواع الخضار والفاكهة: جزر، خس، بندورة، خيار، عنب، تفاح، موز، أناناس وكيوي. وبدأن في صناعة أطباق من السلطات. تصرّفن وكأنهنّ أطفال صغار، وبدأن في تقطيع التفاح والجزر والخيار وصناعة أطباق تضم كل الأنواع والأصناف، لأن تنوّع ألوان الخضار ضروري. ابتسمن. ضحكن. تسامرن. تبارين. تنافسن. وحين انتهين، استعرضت خبيرة التغذية كارلا حبيب مراد الأطباق، وحددت نقاط الضعف والقوّة فيها: الألوان في الأطباق مطلوبة؛ لكن تقطيع الخضار بالسكين يُشكِّل خطراً على الصغار، وبما أنّ بنات حواء، النساء المشاركات، كنّ يلعبن دور الصغار، كان عليهنّ تقديم الخضار في شكل جميل كما هي، بألوانها، من دون تقطيعها. ضحك الحاضرون. اقتنعت الصبايا ودخل الجميع في اللبّ، في عمق الموضوع، من أجل استكشاف الأسلوب الغذائي الأفضل لأجيال قادمة سليمة. فماذا في التفاصيل؟

المعلومات كثيرة ومفيدة، وتطبيقها انطلق منذ ستة أعوام تقريباً، منذ انطلاق برنامج (نستلة – أجيال سليمة) في لبنان، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة السعودية العربية، والأردن، وحقق نتائج رائعة بالتعاون مع الحكومات المحلية. ويهدف البرنامج إلى تعزيز الغذاء الصحي والنشاط البدني لدى تلاميذ المدارس الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و11 سنة، أي في سن تخولهم.

بحسب مديرة التأسيس لقيمة مشتركة في (نستلة الشرق الأوسط) كارين أنطونيادس، لفهم مبادئ البرنامج واعتماد سلوك صحي في مرحلة مبكرة من حياتهم، وحثّهم على زيادة استهلاك الفاكهة والخضار، واختيار الوجبات الخفيفة الصحية، عوض الوجبات والمشروبات التي تحتوي على سعرات حرارية عالية، وزيادة النشاط البدني المعتدل، وتخفيف السلوك الذي يميل إلى قلّة الحركة.

 

- لماذا كل هذا الاهتمام بهذه الشريحة العمرية؟

الجواب حاسم ومباشر: لأنّ الدراسات العالمية بيّنت أنّ ثلاثين في المئة من الأطفال المصابين بالسمنة قبل الدخول إلى المدرسة، وأربعين في المئة ممّن هم في المدارس، وثمانين في المئة من المراهقين الذين يعانون السمنة يبقون بدينين حين يصبحون راشدين. وكلّنا أصبحنا نعلم ماذا قد تفعل السمنة بنا وبأطفالنا وبالأجيال القادمة.

 

- مَن الطفل السمين؟

هو مَن يزن أكثر من عشرين في المئة من الوزن المثالي بالنسبة للطول والسن وجنس الطفل، علماً بأنّ زيادة الوزن السريعة لطفل ينمو، خصوصاً قبيل البلوغ وأثناءه، يجب ألّا تدعو إلى القلق الكبير مع وجوب المراقبة. في كل حال، تعالوا لنصغي بإمعان إلى ما يفترض أن يتناوله الطفل في عالم عربي يتزايد فيه استعداد فئة المراهقين للسمنة، وكلّنا نعلم أنّ مَن يعاني السمنة ترتفع لديه إمكانات الإصابة بالسرطان والقلب والروماتيزم.

صحيح أنّ العادات الغذائية تحسّنت عند أطفال المدارس في الدول العربية التي طبق في مدارسها (برنامج أجيال سليمة) فتدنى تناول رقائق الشيبس وانخفض معدل شراء المشروبات الغازية والمشروبات المحلاة وارتفع معدل استهلاك الصغار لحصص من الفاكهة والخضار؛ لكن المطلوب بعد كثير على مستوى الصغار والكبار معاً.. فماذا في النصائح النظرية والتطبيقية التي تجعلنا نطمئن أنّ الأجيال القادمة ستكون سليمة؟

هل تعلمن - أيّتها الأُمّهات - كم يعادل من الدهون والسكاكر تناول ست شرائح من رقائق البطاطا أو كوب من المشروبات الغازية أو برغر واحد أو صحن بطاطا مقلية أو ست حبات ناغتس؟ أولادكم الذين شاركوا في (برنامج أجيال سليمة) باتوا يعرفون وأنتم أيضاً يفترض أن تعرفوا: يوجد في كل كوب من المشروبات الغازية ثماني ملاعق من السكر، وفي كيس واحد صغير من رقائق البطاطا أربع ملاعق دهون، وفي صحن بطاطا مقلية صغير ثلاث ملاعق دهون، وفي برغر صغير سبع ملاعق دهون، وفي قرن بوظة عربية أربع ملاعق دهون وملعقتا سكر، وفي ثلاث قطع بسكويت بالشوكولاتة أربع ملاعق دهون وثلاث سكر، وفي ست قطع ناغتس أربع ملاعق دهون، ما رأيكم؟ ما رأيكنّ؟

السؤال البديهي الآن: كيف نقنع صغارنا بتغيير عاداتهم الغذائية واستبدال الوجبات السريعة السيئة بوجبات صحية مفيدة؟

 

- 8 نصائح قد تجعلكنّ تسهمن بدوركنّ في تعزيز بناء (أجيال سليمة) قادمة:

1- فلنكن نحن الكبار مثالاً حسناً، لأنّ صغرنا يتمثلون، كما تعلمن، بنا. فلنأكل الخضار والأطعمة الصحية أمامهم، ولنُقدِّم لهم ما نأكل، ولنتذكّر دائماً أنّ الأطفال غير قادرين على اتخاذ القرار الغذائي الصحيح إذا لم نخبرهم عنه ونُكرِّر ما أخبرناهم ثانياً وثالثاً... وعاشراً.

2- فلنجعل من طبق الطعام أشكالاً وألواناً يحبّها الصغار ويتمتعون برؤيتها ثمّ تناولها. فلنحول البروكلي مثلاً إلى ديناصور صغير، ولنجعل من اللوبياء والجزر أشجاراً، ومن الملفوف الملوّن زهوراً. ولنتذكّر أنه بقليل من العناية يمكننا أن نحول الغذاء الصحي إلى متعة لأطفالنا.

3- فلنطلب من الصغار مشاركتنا في إعداد الطعام ولنأخذهم معنا إلى محال البقالة أو حتى إلى المزارع ولنسمح لهم بالقطاف وبتنظيف الجزر وبتقطيعها بقوالب خاصة لا تؤذي. مشاركتهم هذه ستجعلهم يأكلون برحابة صدر أوسع.

4- فلنلحَ عليهم بأهميّة تناول الأطباق الصحية، ولنتذكّر أنّ الدراسات تقول إننا في حاجة إلى تقديم الطبق نفسه من ثماني إلى عشر مرّات على الأقل كي يُقبل الطفل على تذوُّقه. كررن إذن تقديم الطبق الصحي، ولا تشعرن بالملل بسرعة.

5- لا تجبرن صغاركنّ على إنهاء أطباقهم بسرعة، امنحوهم الوقت الكافي من دون فرض عقوبات عليهم وتكرار على مسامعهم إنهم لن يتمكّنوا من اللعب ولا النهوض عن الطاولة قبل إلتهام كل الطبق.. فالطعام ليس عقوبة، بل غذاء ومتعة.

6- فلنخبرهم أثناء إعداد الطعام عن القيمة الغذائية في كل صنف من الأصناف. لنخبرهم مثلاً أنّ البروكلي يساعد على النمو، وأنّ الجزر يُقوّي النظر. مفيد جداً أن يعرف الصغار كل هذا وهم يتناولون الطعام.

7- فليتضمّن الطبق ألواناً متنوّعة، لأنّ الصغار تجذبهم الألوان. ولتُضف إليه التوابل والنكهات والثوم والجبن. فالسبانخ مثلاً يُصبح مقبولاً أكثر لدى الصغار إذا أضيفت الجبنة إليه. ونصيحة لكنّ من معنيين في الشؤون الغذائية بوجوب إدخال الأطعمة الجديدة تدريجياً إلى طبق الصغار لا أن يُقدّم إليهم طبقاً جديداً كل محتوياته بالنسبة إليه جديدة.

8- فلتُحسب الوحدات الحرارية التي ستُقدم يومياً للصغار، لأنه تبيّن أنّ أغلبية الأُسر لا تتناول ما يكفي يومياً من الألياف عند الإفطار مثلاً ولا حصص الخضار والفاكهة المطلوبة ولا نسبة البروتينات الصحيحة، بل تعتمد أكثر على العشوائية في محتويات الأطباق، وهذا لا يساعد على بناء أجيال سليمة. ويفترض هنا أن تعرفن أنّ الأطفال في حاجة إلى تناول الطعام كل ثلاث إلى أربع ساعات، ثلاث وجبات أساسية وإثنتين خفيفتين بالإضافة إلى كثير من السوائل.

فاكهة وخضار.. وخضار وفاكهة، وتتكرر هاتين الكلمتين بين شفتي كل مَن يُصنف معنياً بالشؤون الغذائية الصحية. والسؤال: لماذا يفترض إدخال الفاكهة والخضار إلى غذاء الطفل؟

كلّنا نعلم أنّ الخضار والفاكهة يوفران مجموعة من الفيتامينات المهمة لاسيما فيتامين (سي) وحمض الفوليك الضروريين لنمو صحيح. وأي كمية قد يتناولها الطفل تبقى أفضل من لا شيء ومن أجل حثّه على هذا يفترض تنويع الفاكهة والخضار في طبقه، على أن تكون من أحجام عدّة، كي لا ينفر منها بحجة أنها أكبر من كفّيه.

"أولادكم ليسوا لكم.. إنهم أبناء الحياة"، قالها الأديب اللبناني الكبير جبران خليل جبران؛ لكن لكي يتمكّن هؤلاء البنون والبنات من مواجهة خضات الحياة غداً، عليكم أن تبنوا فيهم اليوم الفهم والمعرفة والأصول والعلم والأخلاق والوعي. فهم غداً ما تؤسسون فيهم اليوم أخلاقياً وثقافياً وتربوياً وصحياً.

(برنامج أجيال سليمة) بلغ أكثر من 40 ألف طفل، ودرّب معلمين في أكثر من 300 مدرسة في عالمنا العربي في مهمة رفع مستوى الوعي حول أهمية التغذية الجيدة وأسلوب الحياة النشيط بين أطفال المدارس.

حقق (برنامج أجيال سليمة) في 6 سنوات الكثير، وأنتم ستحققون أيضاً، بلا أدنى شك، في دواخل أثمن ما تملكون في هذه الدنيا، في فلذاتكم وفلذاتكنّ، الوعي.. فهنيئاً لأولادكم بكم.

ارسال التعليق

Top