• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الكلمة الطيبة ابلغ لغةً في الخطاب الإنساني

عمار كاظم

الكلمة الطيبة ابلغ لغةً في الخطاب الإنساني

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ان الشيطان ينـزغ بينهم ان الشيطان كان للانسان عدوّاً مبيناً} [الاسراء:53].
يريد الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، أن يبيّن المنهج الاسلامي في مسألة التخاطب بين الانسان المسلم والانسان الآخر، سواء كان قريباً في داخل العائلة، أو كان في المواقع التي تتصل بعلاقاته النسبية أو الاجتماعية، وذلك بأن يفتش عن الكلمة الأحسن التي تفتح عقل الآخر على الحق، وقلبه على المحبة، والعلاقة به على التواصل والتكامل والتحابب والوحدة، وحركته على التعاون مع الانسان الآخر، لأن الكلمة عندما تنطلق من انسان الى آخر، فانها تترك تأثيرها الايجابي اذا كانت كلمة خير، أو السلبي اذا كانت كلمة شر، لأن الانسان في مشاعره وأحاسيسه يتأثّر بالكلمات، ولاسيما في مخاطبة الانسان الآخر له، أو في حواره معه.
لذلك، لا بد للانسان من أن يفكر في تأثيرات الكلمة قبل أن يطلقها، وقد ورد في الحديث عن الامام عليّ(عليه السلام): «انّ لسان المؤمن من وراء قلبه، وانّ قلب المنافق من وراء لسانه»، قيل له: فسّر لنا ذلك يا أمير المؤمنين، فقال(عليه السلام): «لأن المؤمن اذا أراد أن يتكلم بكلام تدبّره في نفسه، فان كان خيراً أبداه، وان كان شراً واراه»، فيكون العقل هو القائد، واللسان جندي في اطاعة القائد. أما المنافق، فاذا خطرت الكلمة في ذهنه، فانه يطلقها كيفما كانت، فاذا تركت تأثيرها السلبي يرجع الى العقل ليحلّ له مشكلة، فيكون اللسان عنده هو القائد، والعقل جنديٌ عند اللسان.
وقد أكد تعالى هذه المسألة بقوله: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن - فكما أنّ الانسان يختار كل ما يأكله أو يشربه بدقة وعناية، عليه أن يختار بالدقة نفسها كلماته التي يطلقها، لما لهذه الكلمات من تأثير على علاقته بعائلته وبالناس من حوله - ان الشيطان ينـزغ بينهم- فالشيطان يدخل في عبّ الكلمة، فاذا كانت تثير المشاكل، فانه يدخل من خلالها ليعقّد العلاقات الانسانية - ان الشيطان كان للانسان عدواً مبيناً}، والعدوّ لا بد من أن نتعامل معه بحذر شديد، وأن نجهّز أنفسنا بكل وسائل الحماية والوقاية منه.
الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة
وفي آية أخرى، يبيّن لنا الله تعالى الأسلوب الأفضل للدعوة، فاذا أردت أن تقرِّب الآخر من الفكرة التي تؤمن بها ليقتنع بها ويلتزمها، فعليك أولاً أن تدرس عقليّته، لتعرف ما هي الكلمة المناسبة التي التي يمكن أن تستخدمها في مخاطبته: {ادع الى سبيل ربك بالحكمة- والحكمة هي وضع الشيء في موضعه - والموعظة الحسنة ـ وهي الكلمة التي تحبِّب الآخر بالفكرة وتظهر له منافعها - وجادلهم بالتي هي أحسن-جادل بالأسلوب الطيب، لأن مهمتك هي أن توجّههم وتعلّمهم وترفع مستواهم - ان ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} [النحل:125].
وهذا ينسحب حتى على مسألة الحوار بين الأب وأولاده، أو بين الزوج وزوجته، فلا بدّ من أن يكون الحوار والجدال بالتي هي أحسن، فلا يتجبّر الأب في بيته ويمنع أن يناقشه أحد، بل عليه أن يفسح في المجال للحوار، ولاسيما اذا كانت زوجته مثقفة ومتعلّمة وكذلك أولاده.
ويقول تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئةـ والحسنة تتمثّل بالأسلوب الليّن والطيب، والسيئة تتمثّل بأسلوب العنف والقسوة، وهذان الأسلوبان لا يتساويان - ادفع بالتي هي أحسن - اذا حصلت مشكلة بينك وبين انسان آخر، فكّر في الطريقة الأحسن لحلّ هذا الخلاف ـ فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم} [فصّلت:34]. والله سبحانه يؤكد ضرورة أن يربح الانسان صداقة الآخر ليحوّله من عدوّ الى صديق، ولكنّنا من خلال أسلوبنا في ادارة الخلافات، نحوّل أصدقاءنا الى أعداء، مع أن الاسلام يعلّمنا كيف يمكن أن نكون أصدقاء العالم، حتى لو اختلفنا فيما بيننا على المستوى السياسي والديني والاجتماعي والثقافي، ما عدا الذي يفرض عليّ العنف، لأنّ من يوجّه اليَّ رصاصةً، لا يمكن أن أقابله بوردة. ونحن نقول دائماً لاخواننا وأخواتنا، انكم تبحثون عن أصدقاء كثر، ولكن هناك صداقة لا بد من أن نبحث عنها ونوثّقها، وهي صداقتنا لله تعالى، فعلينا أن نصادق الله، فنجلس اليه ونحدثه عن آلامنا ومشاكلنا لكي يخفف عنّا.
الرِّفق النبوي واللين الرسالي
وفي هذا الجو، يحدّثنا الله تعالى عن أخلاق النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقول: {فبما رحمة من الله لنت لهم ـ فقد كنت، يا محمد، الليّن في مشاعرك وأحاسيسك مع الناس - ولو كنت فظاً - قاسي اللسان - غليظ القلب - لا تحمل المحبة والرحمة للناس- لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم - اذا أخطأوا معك - وشاورهم في الأمر- ليتعلّموا كيف تكون علاقتهم بالقادة - فاذا عزمت فتوكّل على الله ان الله يحبّ المتوكلين} [آل عمران:159].
هذا هو خُلق الاسلام، وهذه هي أخلاق النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا هو الخُلق الذي يرتفع به الانسان ليكون انساناً مع الآخرين، ولينفتح من موقع انسانيته على انسانيتهم، وهذا ما يقرِّب الناس بعضهم من بعض، ويجعل المجتمع مجتمعاً متواصلاً متراحماً متعاوناً على البرّ والتقوى.

ارسال التعليق

Top