• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المصاديق العملية للجانب الأخلاقي من شخصية الإمام زين العابدين (عليه السلام)

عمار كاظم

المصاديق العملية للجانب الأخلاقي من شخصية الإمام زين العابدين (عليه السلام)

اهتمامه بالأمة: فمن صور اهتمامه بالأمة، ما ذكرته سيرته العطرة في هذا المضمار: - ابن إسحق، قال: «كان بالمدينة كذا وكذا أهل بيت، يأتيهم رزقهم، وما يحتاجون إليه، لا يدرون من أين يأتيهم، فلما مات علي بن الحسين عليه السلام فقدوا ذلك». عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إنه كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره حتى يأتي بابا فيقرعه، ثم يناول من كان يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيرا لئلا يعرفه». وعن عمرو بن ثابت: {لما مات علي بن الحسين، وغسلوه، جعلوا ينظرون إلى آثار في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ قيل: كان يحمل جُرب الدقيق على ظهره ليلاً ويوصلها الى فقراء أهل المدينة سراً}.

عن عمرو بن دينار، قال: {دخل علي بن الحسين عليه السلام على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه يعوده، فجعل يبكي ويقلق، فقال له علي: (ما شأنك؟) فقال: عليَّ دَيْنٌ، قال: (كم هو) قال: خمسة عشر ألف دينار، فقال: (هو عليَّ) }.

{وكان عليه السلام إذا قصده سائل يقول له: (مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة)}.

{وكان إذا ناول الصدقة السائل، قَبّلَهُ ثم ناوله}.

ولقد بلغ من اهتمامه بالفئات المستضعفة في الأمة أن حرر الأرقاء من أسيادهم، فكان يشتري في كل عام عددا كبيرا منهم، من أجل تحريرهم، وخصوصا في العيدين، وكانت معاملته لهم معاملة النِّدِّ للنِّدِّ، فلم يكلف أحدا فوق طاقته، ولم يؤذِ أحدا أبدا، وقد أسماه البعض من أجل ذلك (محرر العبيد).

ولقد أعتق مرة عبداً من عبيده، كان قد أُعطِيَ فيه مبلغاً ضخماً ليبيعه، فرفض وأعتقه.

حلمه وتواضعه: وهذا طرف آخر من أخلاقه العظيمة: «شتم رجل زين العابدين(عليه السلام) فقصده غلمانه، فقال: (دعوه) ثم قال للرجل: (ألك حاجة ؟) فخجل الرجل، ثم أعطاه ثوبا وأمر له بألف درهم، فانصرف الرجل وهو يقول: أشهد أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم». «وسبه رجل مرة، فسكت الإمام عليه السلام عنه، فقال الرجل: إياك أعني، فقال الإمام: (وعنك أغضي)». «وكانت له جارية تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها، فرفع رأسه إليها، فقالت: (والكاظمين الغيظ) ، قال عليه السلام (قد كظمت غيظي)، قالت: (والعافين عن الناس) قال عليه السلام: (عفا الله عنك)، قالت: (والله يحب المحسنين) قال: (اذهبي فأنت حرة لوجه الله عزوجل)». وانتهى إلى قوم يغتابونه، فوقف عليهم وقال: «إن كنتم صادقين غفر الله لي، وإن كنتم كاذبين غفر الله لكم». «ونال منه الحسن بن الحسن فشتمه، فلم يكلمه، فلما إنصرف، قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه، فقالوا له: نفعل، وقد كنا نحب أن تقول وتقول، فمشى وهو يقول: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) . فلما بلغ منزله وناداه، خرج إليه متوثبا للشر وهو لايشك أنه إنما جاءه مكافيا على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين عليه السلام (يا أخي! إن كنت قلت ما في فاستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس في يغفر الله لك). فقبل الحسن ما بين عينيه، وقال: بلى، قلت ما ليس فيك وأنا أحق به».

ومن مصاديق إنسانيته المثلى كذلك، أنه كان له ابن عم فكان علي بن الحسين عليه السلام يأتيه بالليل متنكرا فيناوله شيئا من الدنانير، فيقول له: لكن علي بن الحسين لا يواصلني لا جزاه الله خيرا، فيسمع الإمام عليه السلام ذلك، ويحتمل ويصبر ولا يعرفه بنفسه، فلما رحل الإمام عليه السلام إلى ربه تعالى، فقد الرجل تلك الصلة المعتادة فعلم أنها منه، فجاء إلى قبره باكيا.

هذه بعض شواهد منهاجه في التعامل مع الناس وقد كان بحق الصورة التجسيدية المثلى للمنهج الإلهي الكريم.

ارسال التعليق

Top