• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الوحدة إحدى ضرورات الإيمان

عمار كاظم

الوحدة إحدى ضرورات الإيمان

إنّ الإسلام يدعو إلى وحدة الأُمة الإسلامية على أساس من وحدة الجنس البشري التي يقررها الإسلام في صورة قاطعة لا تحتمل تأويلاً (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13)، (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (الأنعام/ 98). ولما كان الإسلام هدي الله للإنسان جمعاء، وهو الدين الذي جاءت به الرسل جميعاً من عند الله، فإنّ دعوة الإسلام إلى وحدة الأُمة الإسلامية لا تعني دعوة إلى تمزيق الروابط الإنسانية، وإنما هي – في نفس الوقت – دعوة إلى الوحدة الإنسانية يصنع الإسلام نموذجها الأصيل، وركيزتها الفذة في وحدة الأُمة الإسلامية: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) (البقرة/ 285). فالوحدة التي يدعو إليها الإسلام ليست – فحسب- زينة لحياة المسلمين أو حاجة يميلون إليها حين يدعوهم حافز من حوافز المصلحة الدنيوية، ولكنها ضرورة من ضرورات إيمانهم، يدعون إليها حين يدعون إلى عبادة الله الواحد، وتقواه. الوحدة التي يدعو إليها الإسلام المسلمين ضرورة من ضرورات فطرتهم التي جمعتهم على الإسلام، (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم/ 30). وهي ضرورة من ضرورات واقع الإيمان الماثل في قلوبهم، يقول تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10)، ويقول الرسول (ص): "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" كما يقول (ص): "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم". ويقول (ص) في حديث آخر: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". الإسلام إذ يقرر الوحدة الإسلامية كضرورة من ضرورات الإيمان يربطها بجذوره الأساسية، ويوثقها بأصولها، في العقيدة، والشريعة والأخلاق. ففي مجال العقيدة ترتبط هذه الوحدة بعقيدة المسلمين الأساسية، وهي عقيدة لتوحيد، وفي رحاب هذه العقيدة التي تنفى عنها أية صورة من صور الشرك الخفي منها أو الظاهر، يتربى المسلمون على الوحدة تربية تتغلغل في نظرتهم إلى وجودهم في هذه الحياة. وفي مجال الشريعة ترتبط هذه الوحدة بخضوع المسلمين لنظام تشريعي واحد، واحد في كيانه، واحد في مصدره، واحد في أهدافه. وفي هذه الأخلاق تتوثق هذه الوحدة بقيام المجتمع الإسلامي على أساس من القيم الإسلامية التي وضحها الكتاب وبينتها السنة، وصارت أصلاً لأخلاق المسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً". حيث إنّ مما لا شك فيه أنّ الأُمة الإسلامية من بين سائر أُمم الأرض تختص بطبيعتها الحية الأصيلة التي نشأت بها، وسارت على هداها، وصنعت بها أمجادها، وبنت حضارتها مرتكزة على العقيدة الحقة النيرة التي تقوم على التوحيد الخالص الذي حررها من الخضوع لغير الله، وطهرها من أدران الجاهلية، ونقلها من التمزق والتفرق والتخلف والفساد إلى ذرى الوحدة والتقدم والاستقامة، وهي أُمة ذات نظام فريد كامل شرّعه الله للناس، رصيد إيمان لا ينفد، ومصدر قوة لا تعرف الهوان، ومنهاج حقّ وعدل لا يرضى بظلم، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) (الفتح/ 28).

ارسال التعليق

Top