• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لكلّ فشلٍ علاج

لكلّ فشلٍ علاج

أكدت سيدة مسنّة تهوى صناعة الأواني الفخارية والرسم عليها في «يوتيوب»، أنّها تلتقط الأجزاء المكسورة من الأواني، وترى بعضها جميلًا في حد ذاته، وليس بحاجة إلى ترميم؛ بينما تعيد تشكيل أجزاء أخرى لتتحول إلى أوانٍ جديدة رائعة.

وهكذا رحلة الحياة - من وجهة نظرها - يكفي أحيانًا جزء منها للعيش بسعادة. ولا ضير من الفشل - في تأسيس عائلة، أو تحقيق أمنية على سبيل المثال - ما دامت هناك أهداف أخرى، وأمنيات أخرى، وقدرة على الاستمرار ومواصلة الكفاح.

لا ينبغي الخوف من الفشل ولا الشعور بالخجل منه، بل التحلي بشجاعة المرور به وتخطيه وكسب خبرات جديدة. وبمثل هذه النظرة المتعاطفة والمقدّرة لخبرات الفشل - الذي نتجنبه عادة - أصبحت الدعوات علنية لمقاومة الخوف من الفشل والوقوع فيه كثيرًا ومبكرًا لمزيد من التعلُّم والإبداع.

 

الفشل استثمار

في مجال تصميم التفكير والأعمال الإبداعية، يعتبر الفشل مصطلحاً رئيسياً في شبكة ثريّة من الافتراضات، ودوره مهم جداً في مشروعات التجديد. ففي هذا المجال يكون الانحياز دائماً للفعل، حتى لو شابه الفشل، باعتباره أفضل من انتظار ظهور وجهة العمل الصحيحة. وهكذا يكون الفشل جزءاً متوقعاً من النتيجة، والخوف منه عقبة أمام العمل الإبداعي.

لا أحد يريد أن يفشل، ولكي يتجنب الفشل يُحجم عن المحاولة، ولهذا تكون أكثر الطرق المحررة من هذا الخوف الاعتراف بالفشل والاحتفاء به كتجربة تعلُّم مفيدة، وتخصيص موارد إضافية من وقت وميزانية ومكان لاستيعابه. ووفقاً لدراسة أجريت على 184 شخصاً من خريجي مدرسة التصميم، لتقييم ما حصّلوه خلال دراستهم، أشارت الغالبية إلى تعلُّم استجابات جديدة، بديلة للخجل، نحو الفشل ونحو المواقف السلبية.

أما تقدير الفشل فيرجع لكونه يشير إلى أن وضعاً راهناً يعاني عجزاً في جانب ما، ويساهم تحليله في تحديد هذا العجز بدقّة، واستكشاف البدائل الممكنة. وكلما كان الفشل راديكالياً، تعرّضت المعتقدات المعرفية الشائعة للشك، الأمر الذي يولّد فهماً جديداً ويعيد تأطير المشكلات ويبتدع الحلول، أي أن الفشل الكبير أفضل من الفشل الصغير، والفشل الصغير أفضل من عدم الفشل.

   وتختلف النظرة الجديدة للفشل عن النظرة التقليدية على صعيد المنظّمات، ففي الوقت الذي لم يكن الفشل مقبولاً، أصبح أمراً طبيعياً، وناتجاً مصاحباً لعملية صحية من التجريب والتعلم. وبعد أن كان تجنّب الفشل جزءاً من الأداء الفعّال، صار التعلم من الفشل ونقل الدروس المستفادة منه أمراً محموداً. وبعد أن كانت الاستجابة النفسية للفشل عدم الفعل لحماية الذات، أصبحت الاستجابة فخراً بشرف المحاولة وبالفضول الدافع للفعل. وبعد أن كان الفشل مرادفاً للخسارة والتكاليف الإضافية التي تتكبدها المنظمة، أصبح استثماراً للمستقبل، ومقدمة للنجاح.

 

تدريس الفشل   

في مجال العلوم، يرى أستاذ علوم الأحياء بجامعة كولومبيا، ستيورات فيرستين، أن الفشل هو سبب نجاح العلوم. ويطالب - في كتاب له بعنوان الفشل - بتدريس فشل العلوم بالمدارس والجامعات. ويتساءل: عندما تجاهل التعليم التجارب الفاشلة وركّز على النجاح، هل أصبح تعليماً جيداً؟ ويرد على سؤاله بـ «كلّا».

ويضيف أن الطلاب يدرسون النتائج النهائية للعلوم ويتعرّفون إلى العلماء الذين توصلوا إليها من دون شرح أو توضيح لتاريخها وسلسلة العلماء الذين عملوا عليها ومهّدوا الطريق للنجاح. ويجد أن جميع العلوم فشل ونهاية في حد ذاتها؛ لأنّ معظم الاكتشافات والحقائق مؤقتة. وما يكون ناجحًا في وقت ما، قد لا يكون كذلك في وقت آخر. ونادراً ما يكون العلم الجيد خطأ تماماً، مثلما لا يكون صواباً تماماً. ويؤكد أن العلماء عادة ما يقفزون من فشل لآخر سعداء بالنتيجة، لأنهم يعلمون جيدًا أنهم يقتربون من الحقيقة. فرغم أن الفشل «أقل نجاحاً»، أي غير صحيح كله، فهو مفيد.

 

الفشل أنواع

يتناول مارتن ميدوز - في كتابه «من الفشل إلى النجاح» - سبعة أنواع من الفشل تعدّ الأكثر شيوعاً، ويقترح علاجات لها كما يلي:

الفشل الأول: لا نستطيع منعه، لكن يمكن التعامل معه، وأفضل طريقة لفعل ذلك قبوله وتجاوزه. ويمكن ممارسة القبول بالخروج من منطقة الراحة، وعدم مقاومة المشاعر المصاحبة - لأنّ الإنكار يزيد الطين بلّة - ولا بدّ من تذكير الذات بأن الأمر خارج عن إرادتها. وفي النهاية كلّ شيء إلى زوال؛ من حلو الحياة ومُرها.

الفشل الثاني: فشل سببه سقف التوقعات المرتفع بصورة غير واقعية، مما يجعلنا عالقين في حلقة مفرغة من المحاولة والفشل والمحاولة مرة أخرى. ولمنع حدوث ذلك، ينصحنا ميدوز بالبحث والتأكد من أن ما نريده ممكن. ثم اتباع استراتيجيات قابلة للتطبيق، بدلًا من توقُّع معجزة. وهنا يفيد الانفتاح على طرق واستراتيجيات جديدة بالنسبة لنا.

الفشل الثالث: يحدث بسبب قصور التركيز، وتشتّت الانتباه على أهداف عديدة في الوقت نفسه، مما يضعف الأداء. ولهذا، لا مفرّ من التضحيات لبلوغ ما هو مهم في قائمة الأولويات؛ ولا بدّ من تكريس الطاقة وتحمُّل بعض الملل والاستمرار في التركيز على جوهر الهدف.

الفشل الرابع: يأتي من الخوف، كالخوف من المجهول، والخوف من الرفض، والخوف من ضياع الهوية، والخوف من خسارة الآخرين. وللتغلب على ذلك، يفضل تعريض الذات لمواقف التعامل مع المجهول، ومع المواقف الصعبة، أو إلى رفض محتمل، كنوع من التمرين الذي يساعد على اتساع منطقة الراحة. وهكذا يتراجع الخوف ويحدث التعلّم برغم المشاعر السلبية المصاحبة للخوف ولعدم الشعور بالراحة. ومن الجيد أيضًا أن يحيط المرء نفسه بأشخاص مساندين، يشجعون أهدافه الجريئة.

الفشل الخامس: يكون بسبب الرغبة في تدمير الذات، وهذا يحدث عندما ينخفض مستوى قيمة الذات والثقة بالنفس والقدرة على مواجهة ما هو قادم. ولهذا يدمّر الشخص جهده ويبرر ما قاده إلى الفشل أو عدم الفعل - كأن يختار شخصٌ، بشكل غير واعٍ، السهر لسبب ما، ويذهب إلى مقابلة عمل في اليوم التالي خائر القوى، ثم يحمي نفسه بقوله إنه فشل لأنّه سهر - وأول خطوة للتعامل مع هذا الفشل الإيمان بالهدف وبأهمية بلوغه، ورفع مستوى الثقة بالنفس، ثم استبدال استراتيجية إعاقة الذات بالتفاؤل الاستراتيجي، وإعداد الذات لأيّ انتكاسة محتملة.

 

استراتيجيات بعيدة المدى

الفشل السادس الذي يأتي من قلّة الصبر، ويؤدي إلى الاستسلام أو الإحباط بسبب بطء التقدم، ولا سيّما عند انتظار النجاح في أسرع وقت. ومن المفيد هنا التركيز على بلوغ الهدف، وليس على بلوغه في موعد محدد ضاغط. ولا ينبغي لأحد أن يقارن نفسه بالآخرين، ويغضب، فقد لا يكون مثلهم في جانب، ولكن يفوقهم في جانب آخر، كما يمكن لبذل مزيد من الجهد أن يزيد من فرص التفوق.

ولاكتساب بعض العزم، ولا سيما في البداية، لا بدّ من الاجتهاد، وبعد ذلك يمكن اتباع استراتيجيات بعيدة المدى تجري بخطوات ثابتة لأسابيع، أو لشهور، أو لسنوات حتى يتحقق الهدف.

أما الفشل السابع فهو بسبب منح الرخصة الذاتية، وهي ظاهرة يمارس فيها الشخص سلوكًا طيبًا، ثم يتبعه بسلوك سيئ كنوع من التعويض، ففي الفشل بخسارة الوزن، مثلاً، لا بدّ من الانتباه إلى ما يتم تناوله بعد التمارين الرياضية، إذا ما فكر المرء في مكافأة نفسه. وفي الفشل بالتوفير في مواسم التخفيضات، يجب ألا نعتقد بأننا أذكياء إذا اشترينا أشياء مخفّضة، ولكن لا تحتاجها. وعلينا أن نتأكد من أن السلوك الطيب وحده قادر على جلب المكافآت على المدى الطويل.

ويرى فيرستين أن الفشل يأتي بنكهات مختلفة وبشدة متفاوتة وسياقات وقيم متباينة. فهناك فشل «مجرد خطأ» مضيع للوقت، وفشل يمكن أن نتعلم منه دروساً، ونكون أكثر حذراً في المستقبل. وهناك فشل يمكن أن يعتبر درس العمر- كزواج فاشل، أو مغامرة تجارة فاشلة مؤلمة - ويساهم في بناء الشخصية. وفشل يقود إلى اكتشافات غير متوقّعة، لم تكن لتحدث لولاه - مثل مصادفة تفتح باباً لم نكن نعلم بوجوده - وهناك فشل معلوماتي يوضّح أن ما نريد فعله لا يمكن أن يتم بهذه الطريقة. وهناك فشل يقود إلى فشل آخر، ثم يقود في النهاية إلى نوع من النجاح. وهناك فشل جيد لفترة معيّنة، ثم لا يكون كذلك .

ارسال التعليق

Top