• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

«لا» للعنف على الشاشة

د. حسين الأنصاري

«لا» للعنف على الشاشة
◄ظاهرة العنف مازالت في مد تصاعدي في مجمل أنحاء العالم، لكن البلدان التي تشهد متغيرات سياسية وإقتصادية وثقافية وإجتماعية تكون أكثر عرضة لهذا الأسلوب (الإجرامي)، إنّه فعل لا يفرق بين إنسان وأخر، يشيع الخراب ويخرق الأمن ويعطل حركة الحياة ويحصد أرواحاً بريئة.   -        هاجس يومي: لقد باتت مشكلة العنف على الشاشة تشكل هاجساً يومياً يهدد مصير نفسية المواطن، إنّها حالة بالغة الخطورة تحتاج إلى مواجهة جادة ووضع حلول فاعلة وسريعة لتفادي أخطارها الجسيمة التي إنعكست على جوانب الحياة والمجتمع، ولما يسهم به الإعلام المرئي من دور بارز في رصد هذه الظاهرة وضرورة الإسهام في الحد منها ومعالجتها، إذن انّه أصبح وسيلة مزدوجة فيمكن توظيفه لما يدعم هذه الظاهرة ويشيع قبولها نتيجة التعود والتكرار في التلقي لصناعة الموت ويكون بذلك ذراعا لها، أو يحسن إستخدام الخطاب ويوظف دوره بما يجعله أداة للتعبئة والتوعية والتثقيف ضد العنف ليأخذ المواطن دوره ويكون في منأى عن آثار هذه الظاهرة وإنعكاساتها السلبية التي باتت تهدد الجميع بلا إستثناء. ونتيجة لما يمكن أن تقوم به القنوات الفضائية من دور كبير في إشاعة الأفكار وتكوين السلوك الحصين عبر خطابها المباشر وتأثيرها الكبير. ولا يخفى علينا أنّ الغرب خير من إستخدم تلك الوسيلة موجهاً رسائله الإعلامية إلى عالمنا العربي والإسلامي، سيّما وأن فئات كبيرة في مجتمعنا ممن تجهل خطورة هذا الموضوع لذا كان التأثير كبيراً، وذلك لضعف الكفاءة التحليلية والموضوعية للخبر والمعلومة بكل أشكالها سواءً كانت منطوقة أو عبر الصورة المرئية. ولكن ما يثير الانتباه والذي نلاحظه، إن عملية إستثمار الخطاب المرئي لم تكن بالمستوى الذي ينسجم وحجم ظاهرة العنف فما نراه هو عبارة عن بضعة إعلانات مصنعة بطريقة فنية بسيطة مضامينها لا تتعدى الأفكار المباشرة والسطحية أحياناً التي لا تحقق أي تأثير.   -        تضافر الجهود: لذا تتطلب صناعة الإعلان تضافر جهود مختصين في علم النفس والإجتماع والإعلام والفن من أجل توظيف الأفكار العميقة بلغة فنية وتقنية وجمالية راقية لتحقيق الإبلاغ وخلق الأثر المطلوب. اما في مجال الدراما التي أخذ حضورها يتسع على الشاشة من خلال زيادة الكم الانتاجي المحلي أو عبر البرامج والمسلسلات الوافدة التي صارت تستقطب المشاهدين من كل الفئات فنجدها هي الأخرى لا تخلو من إستثمار مشاهد العنف والترويج لها عبر أساليب ومعالجات متنوعة وبلغات ولهجات مختلفة. لقد آن الأوان أن نجعل المشاهد أكثر وعياً بخطورة الظاهرة وضرورة تفادي آثارها المادية والمعنوية. إنّ مصدر القلق حيال العنف التلفزيوني يزداد أكثر فأكثر بسبب الإباحة الكاملة وضعف الرقابة الواعية لبث مشاهد العنف والقسوة، ومع مرور الوقت لابدّ أن تكون له آثاره السلبية على الفرد والمجتمع، إنّه مجاني، حيث لم يتم التحرك السريع لمواجهة هذه الظاهرة وبكل السبل المتاحة لاسيما ما يتعرض له المراهقون والأطفال خاصة على مستوى المدرسة والمجتمع أيضاً وبالتالي لابدّ من إتخاذ الخطوات والإجراءات الداعمة لمحاولة محاصرة العنف الذي بات شمولياً ودخل الأماكن المحرمة كالمساجد ودور العبادة والمدارس، باعتبار إنّ هذه الأماكن آمنة ولا علاقة لها بهذه الظاهرة المتنامية كما يُفترض.  

-        وسيط مؤثر: ويُعَدَ التلفزيون وسيطاً بين الحدث ومتلقيه لكنه وسيط ليس بريئاً، بل انّه يصنع الواقع ويحرّفه عند الحاجة وإنّه لمن الخطأ إعتبار ما يبثه التلفزيون نقلاً للواقع أو صورة له، فالعمل التلفزيوني عملية يتم من خلالها تحويل الشيء من سياق إلى آخر، وقد يختلف هذا القول مع حقيقة التلفزيون بوصفه وسيطاً فله وظائف تتجاوز مجرّد النّقل، فالتلفزيون عندما ينقل أحداث المجتمع وتجاربه إنما يصوّرها تصويراً مُلائماً لِما في أذهان القائمين بالإتصال من رؤى وتوجّهات يقوم عليها النظام الإجتماعي وما سيتضمنها الخطاب الإعلامي حتى لو أدّى ذلك إلى تزوير ما للأحداث والتجارب من خصائص محيطة بها، لأنّ سياسة الاعلام تقتضي الأخذ في الإعتبار طبيعة القوانين التي تحكم المجتمع قبل الإعتناء باحترام القواعد والأسس التي تحكم سير الأحداث والتجارب، وهذا ما يجعل من التلفزيون نظاماً، لا تنحصر وظيفته في حدود تصوير الواقع بل وصناعته لإعادة إنتاج المعنى والدلالة.   -        أحكام وتقييمات: إنّ المتلقي وبعد مشاهدته لصور أو مشاهد من فيلم أو برنامج ما، فإنّ الأحكام والتقييمات التي يقوم بها هي أحكام وتقييمات تتولد من ذاتيته وأيديولوجيته المنبثقة من التجارب المكتسبة من الحياة اليومية، فتسقط بذلك قيم الواقع والأخلاق والدين وما هو سياسي على فهمه للصورة، وبالتالي تتضح لنا مساحة شاسعة بين ما يريد المُرسل إيصاله من قيَم ومواقف، وبين ما يتم إستيعابه وإدراكه من قبل المُتلقي. لذا يكون الخطاب المرئي من خلال معدي البرامج أو صناع الدراما أكثر مسؤولية في معالجة مضامين أعمالهم عبر صور معبرة ترتقي بوعي المتلقي وثقافته وتنسجم مع مبادئه وأخلاقه وعاداته وقيمه الإنسانية التي ترفض العنف بكل أشكاله، ومن هنا لابدّ أن تكون الأفكار التي تتضمنها البرامج المعروضة ذات مضامين تعزز السلوكيات الإيجابية التي تسهم في تطوير الحالة التفاعلية وتخلق الدافعية نحو إشاعة قيم الخير والأمن والسلام. إنّ قدرة الخطاب المرئي على إعادة بناء الحدث بوسائل فنية وفكرية من شأنه أن يكون أداة فاعلة ومؤثرة في مواجهة ظاهرة العنف، بل إنّه سيسهم في الحد منها وردع من يقفون وراءها، وبذلك نجنب مجتمعنا مزيداً من الخسائر البشرية والمادية. إنّ دعوتنا الملحة للقائمين على وسائل الإعلام أن يدركوا خطورة الترويج لخطاب العنف ومشاهد القسوة سواء عن قصد أو غير قصد لأنّ المشاهد هو الخاسر الأكبر كون ما يعرض على الشاشة يخلق حالة من التعايش مع الظاهرة ويقيم حواراً نفسياً وعقلياً حيث تستطيع الصورة ذات الإمكانات الفنية والإحترافية العالية أن تستقطب الفئات غير المحصنة لاسيما من الشباب والأطفال وتعمل على إستجابتهم وتوجيه سلوكهم وتغيير مفاهيمهم بما يتفق والأفكار التي يحملها الخطاب العروض، لابدّ أن نقف ضد أي وسيلة تساهم في ترويج العنف ونبحث عن الحلول اللازمة التي من شأنها أن تعزل خطاب العنف والإرهاب عن خطابنا الإعلامي وتقول كفى لصناعة الموت.►

ارسال التعليق

Top