• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أبرز أهداف النهضة الحسينية

عمار كاظم

أبرز أهداف النهضة الحسينية

كانت النهضة الحسينية، نهضة حضارية شاملة، تتمحور حول خلاص الإنسان وتحقيق كرامته، وإعادة حقوقه المغتصبة، وتوفير حرّيته. نهضة تتكافأ فيها الفرص، لبني الإنسان، وتستبعد فيها حالة استعباد الإنسان للإنسان، وليسود فيها الشرع، والقانون الإلهي فحسب، ويتحوّل الحكم فيها إلى عقد اجتماعي بين الأُمّة والحاكم، لكي يحقق مصالح الناس، وفق الشريعة الربانية الهادية...

وهكذا شاء الحسين بن عليّ سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحقق ذلك من خلال حركته المباركة، إلّا أنّه (عليه السلام) أراد أن تتحقق أهداف هذه النهضة الكريمة من خلال الإنسان نفسه وقناعته، ورضاه، دون فرض، أو إكراه، كما تبيّن ذلك من خلال رسائله، وحواره مع الناس، وتجاوبه مع دعوة جماهير الكوفة له، وإرساله القائد سفيره مسلم بن عقيل (عليه السلام) لدراسة الموقف عن كثب...

أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) كانت تلتقي مع الحقائق التالية:

ـ إحياء الهوية الثقافية للأُمّة: تعرّضت الهوية الثقافية للمسلمين إلى انتهاك صريح، حيث تعرّضت الهوية الثقافية للأُمّة إلى أضرار بالغة وأُميتت السنّة وعادت أهواء الجاهلية وعاداتها، وهذه الحالة امتدت للسلوك الفردي، والعلاقات الاجتماعية، والنظرة للخالق والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحقوق الإنسان، وما إلى ذلك...

هذه الوقائع كان يراها سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الإمام الحسين (عليه السلام) بعينه، فيعاني منها ما يعاني، ولكن الظروف العامّة ليست مؤاتية لتحرك واسع يباشره الإمام (عليه السلام)، فكان يباشر عمله الإصلاحي في حدود من حوله من الناس. وهكذا كان تجديد هوية المسلمين، وإحياء قيمها، ومفاهيمها في وعي الناس وعقولهم، أهم أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) في هذه الحركة التي باشر قيادتها، وهلّم نستمع إليه، وهو يتحدث عن هذه القضية، ويرسخ أقدامها في حياة الناس: «وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي عليّ ابن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ومَن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين».

ويصارح الإمام (عليه السلام) الناس بانهيار الهوية الثقافية للمسلمين، وإنّ هذه المأساة تتطلب التضحية، والفداء، فيقول (عليه السلام):

«أمّا بعد، فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون وإنّ الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ولم يبقَ منها إلّا صبابة كصبابة الأناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله ! فإنِّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً».

- الإصلاح السياسي لمسيرة الحكم: من الأمور المركزية التي عمل الإمام المصلح من أجلها، إصلاح المنهج السياسي عند الناس، وإعادة القيم الإسلامية الخاصّة بالحاكم إلى دنيا المسلمين التي تؤكد إنّ الحاكم في الإسلام أمين الأُمة، ووكيل عنها في إجراء الدستور، وإقامة العدل بين الناس، وهو الذي يحفظ هوية الأُمّة التي رضيت به حكماً، فلا يخالف قيم الرسالة، ولا مصالح الجماهير، ولا يفتئت عليها، وليس للحاكم في الإسلام حقوق إضافية، في مال، أو جاه، أو مكانة على حساب الأُمّة، وفوق حقوقها المفترضة، مادّية كانت أو معنوية، يقول (عليه السلام): «.. ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذات لله...».

ولا يكتفي الإمام السبط (عليه السلام) بتحديد صفات الحاكم المسلم، ليميز الناس على ضوئها بين الحاكم الذي حددت الشريعة الإسلامية صفاته، ومزاياه والحاكم الذي تبتلي الأُمّة بسوء حاله، وسوء إدارته، وبُعده عن قيم الإسلام الحنيف، ومصالح الجماهير، وإنّما راح يضع النقاط على الحروف، ففضح الحكم الأموي، وسياساته العدوانية المجانبة للحقّ، والمعروف وحقوق الإنسان: «أيُّها الناس! إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله».

- مقاومة الظلم ونهب الثروات، وسوء التوزيع: كان من أبرز معالم هذا الدين تأكيده على العدل، والإنصاف، وإشاعة الحبّ، وحماية حقوق الناس:

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90).

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة/ 8).

«الناس صنفان: أمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق..».

ورغم صراحة هذه المبادئ التي أرسى الإسلام قواعدها، وأقام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صروحها في الحياة العملية وعاش الناس في ظلالها زمناً، إلّا أنّ الحُكام الأمويين أصروا على نبذها ودفنها، وإقامة المنكر، والظلم، والنظام الاقطاعي، ونهب الثروات، وإشاعة الفحشاء.

أمّا العدالة، والمحبّة والإنصاف فقد أصبحت حسرة في نفوس طالبيها من المستضعفين، والمظلومين، وأوساط الأُمّة المختلفة، الأمر الذي يحرص الإمام السبط (عليه السلام) على بلورتها في ذهن الأُمّة، ووعي الناس، وأشعارهم بحجم المأساة الحضارية التي حلت بالأُمّة.

ارسال التعليق

Top