• ١٩ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤ | ١٥ ربيع الأول ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أدب الإسلام في التعامل مع أصحاب الإعاقة

عمار كاظم

أدب الإسلام في التعامل مع أصحاب الإعاقة

إنّ الإسلام ينظر إلى صاحب العاهة أو الإنسان المعوّق كأيِّ مبتلى ببلاء يصيب النّاس، والبلاء الجسديّ هذا، لا يعتبر من النّاحية الدينيّة عقوبةً للأهل أو للمعوّق نفسه، ومصدر الإعاقة من ناحية نظريّة، أنّ الحياة التي بُنيت على المحدود لا على المطلق، لابدّ من أن تفرز مشاكل في النّوع الإنساني. التربية الإسلاميّة تفرض على الإنسان أن لا ينظر إلى الآخرين نظرةً ذات بعد واحد، بحيث إنّه إذا رأى عيباً في أيّ إنسان ليس موجوداً فيه، فإنّه يشعر بالفوقيّة عليه، لأنّ جميع الناس ناقصون، ومن لا يملك عيباً في الجانب الصحّي، قد يملك عيباً في جوانب أخرى من شخصيّته، ومن يتفوّق على غيره بالكمال الجسدي، قد يتفوّق الآخرون عليه في مجالاتٍ أخرى، فقد نجد إنساناً كفيفاً يملك ذكاءً يجعله أفضل من المبصرين، وقد نجد إنساناً جميلاً لكنّه مشوّه من الداخل، في المقابل، قد نجد إنساناً مشوّه الجسم، لكنّه جميل في عقله وقلبه وأخلاقه.

إنّ النّظرة الكلّية إلى الإنسان بجميع أبعاده ونقاط ضعفه وقوّته، هي التي تجعلنا نتوازن في نظرتنا إلى المعوّق، إلى أيّ نوع من الإعاقة انتمت إعاقته. وهذه النظرة الكليّة تحمينا من رؤية المعوّق بوصفه إنساناً ناقصاً، لأنّ قضيّة النقص والكمال أساساً هي قضيّة نسبيّة. ونحن نعرف أنّه لا يوجد إنسان كامل، لأنّ الكمال الجسدي قد يترافق مع نقصٍ عقليّ أو روحيّ أو شعوريّ أو أخلاقيّ أو ما إلى ذلك. فلا يستطيع الكامل في جسده، أن ينظر إلى نفسه كإنسانٍ كاملٍ مقابل المعوّق الذي يراه كإنسانٍ ناقص، بل لابدّ له من أن يقلب نظره لرؤية الأمر من جميع الجهات، بحيث يرى جانب النّقص فيه كما يرى جانب النّقص في الآخر، وليرى جانب الكمال في الآخر كما يرى جانب الكمال في نفسه.

ولا شكّ في أنّ رعاية النّاس الضّعفاء، الذين لا يملكون الاستقلال في إدارة شؤونهم بشكلٍ طبيعي، أو لا يملك أهلهم إدارة أمورهم بطريقةٍ كافيةٍ، واجب اجتماعيّ عام يجب أن يتعاون الجميع على أدائه، بعملهم على إنشاء المؤسّسات التي تتكفّل بتأهيل هؤلاء، ورفع عبئهم عن كاهل المجتمع، بحيث تؤهّلهم لأداء بعض الوظائف التي يستطيعون أداءها. والمؤسّسات المتخصّصة تلعب دوراً في هذا المجال، قد يكون في حالات كثيرة، وخصوصاً على مستوى التأهيل، وفرص التعلّم، أفضل من البيت. أمّا دور الوالدين في البيت، فينبغي أن يكون التجاوب مع المؤسّسة المتخصّصة، وقبول إعاقة الولد.

من ناحية أخرى، لقد نهى الإسلام عن أن يسخر شخص من شخص آخر ويعيّره في عيب أو نقص فيه، وحرَّمه تحريماً قطعيّاً، وعدَّه من الكبائر، نظراً إلى أهميّة حرمة الإنسان وقيمته عند الله تعالى، ونظراً إلى أهميّة قيام العلاقات بين الأفراد على أساس الاحترام والتّقدير، وحثّ المؤمنين على مدّ يد العون إلى صاحب الإعاقة أو صاحب الاحتياجات الخاصّة، ومساعدته بشهامة ونبل، والحرص الشَّديد على أن لا يجرحوا كرامته ولو بنظرة غريبة أو إشارة غامزة في غير محلّها. وذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات/ 11).

ولذلك، علينا أن نعتبر هؤلاء وديعة عندنا، وأنّ أيّ واحد منا قد يصاب بما أصيب به هؤلاء، وأنَّ علينا أن نفكّر في مختلف الوسائل التي تكفل لهؤلاء حياة كريمة، سواء في مؤسَّسات يتمّ تأهيلهم فيها وتعليمهم ليواجهوا الحياة، أو خارجها، وأن تهتمّ الدَّولة في إيجاد مرافق تيسّر لهم تنقّلهم، وتؤمّن لهم فرص العمل، وأن يكون النظر إلى هؤلاء من حيث هم ذوو احتياجات خاصّة، نظرة مختلفة عن سائر النّاس من مختلف النواحي المهمّة، سواء المعرفية أو المادية أو الصحية أو الخدماتية. وبذلك، نكون قد عشنا قيم الإسلام وآدابه الرّفيعة كأحسن ما يكون العيش، مكلّلين برضا الله تعالى.

ارسال التعليق

Top