• ١٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أزمة أخلاق

عمار كاظم

أزمة أخلاق

◄الإنسان خليفة الله:

الإنسان أفضل المخلوقين وأكرمهم عند الله.. سخّر الله له ما في السماوات والأرض، واختاره لكي يكون خليفته في الأرض ليحمل القيم الإلهية الجميلة في سلوكه وأخلاقه وتعامله مع الناس وخدمته لهم.. إنّه باختصار "سفير الرحمة الإلهية".

ولذا كان محور بعثة الأنبياء وجهاد الأولياء السعي لتكامل هذا الإنسان علماً وحلماً والوصول بالمجتمع البشري إلى شاطئ الأمن والسلام والمودّة والوئام، لذا يقول الله تعالى عن رسوله الكريم (ص): (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107)، ويقول الرسول الكريم: "إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق".

 

أولوية إصلاح الذات:

من هنا كان ويكون: إصلاح الإنسان والمجتمع البشري، ذاتاً: مفاهيم وقيماً، وأخلاقاً وتربية، الهدف الأساس لكلِّ عملية الإصلاح في الإسلام، ولذلك توجّهت الآيات الكريمة في مجمل القرآن الكريم إلى خطاب الفرد بنفسه، لكي يؤمن ويتوب ويُصلح نفسه قبل الآخرين.. ومن ثمّ تتّجه إلى خطاب الجماعة المؤمنة للإصلاح، في نفسها وحالها، كي تصلح الآخرين.. ومن ثمّ تتّجه إلى مطالبة الناس جميعاً بالإصلاح لأنّ في ذلك فلاحهم ونجاتهم وبقاء النوع الإنساني واستمراره على الأرض، بدلاً من إفسادها وهلاكهم جميعاً نتيجةً لسوء عمل البشر وفساد تدبيره.

إذن، محور الإصلاح، كما يراه الإسلام، وكما يعرضه القرآن، يبدأ بالتربية وإصلاح الذات: من الإنسان، فأهله وذرّيته، ثمّ المجتمع، الأقرب فالأقرب، والأَولى فالأَولى، فلا يتناسى الإنسان المصلح نفسه، فيكون من الذين ذمّهم الله تعالى بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 2-3).

 

إصلاح ذات البين:

ومن ثمّ يأتي العمل على إشاعة الأخلاق الصالحة التي تحفظ للمجتمع جماله وكماله وحلاوته وطراوته ليعيش الجميع متحابّين متوادّين، يتّقون الله في معاملاتهم ويتصالحون ويُصلحون فيما بينهم، كما أمر الله بقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) (الأنفال/ 1)، وكما أوصى الرسول الكريم.. فقد رُوي عنه (ص) أنّه قال لمعاذ لمّا بعثه إلى اليمن: "يا معاذ، علّمهم كتاب الله وأحسِنْ أدبهم على الأخلاق الصالحة".

 

رسالة الإمام الصادق (ع):

وقد كتب الإمام الصادق (ع) برسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها: "أما بعد فاسألوا ربّكم العافية وعليكم بالدعوة والوقار والسكينة وعليكم بالحياء والتنزّه عنه الصالحون قبلكم.. وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله والتضرّع إليه والرغبة فيما عنده من الخبر الذي لا يقدّر قدره ولا يبلغ كنهه أحد.. وعليكم بالدعاء فإنّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربّهم بأفضل الدعاء والرغبة إليه والتضرّع إلى الله والمسألة له، فارغبوا فيما رغبكم الله فيه، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله.. وأكثروا من أن تدعوا الله فإنّ الله يحبّ من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد الله عباده المؤمنين بالاستجابة والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة، فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كلِّ ساعة من ساعات الليل والنهار فإنّ الله أمر بكثرة الذكر له والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين.. واعلموا أنّ ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرّمه واتّبعوا آثار رسول الله (ص) وسنّته فخذوا بها ولا تتّبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلّوا، فإنّ أضلّ الناس عند الله مَن اتّبع هواه ورأيه بغير هدى من الله وأحْسِنوا إلى أنفسكم ما استطعتم، (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (الإسراء/ 7)، وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم، وإياكم وسبَّ أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبّوا الله عدواً بغير علم.. وقد ينبغي لكم أن تعلموا حدّ سبّهم الله كيف هو إنّه مَن سبّ أولياء الله فقد انتهك سبّ الله ومَن أظلم عند الله من استسبّ الله ولأولياء الله فمهلاً مهلاً فاتّبعوا أمر الله ولا قوّة إلّا بالله، وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين، كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإياكم وعليكم بحبّ المساكين المسلمين، فإنّه مَن حقّرهم وتكبّر عليهم فقد زلّ عن دين الله والله له حاقر ماقت وقد قال أبونا رسول الله (ص): "أمرني ربي بحبّ المساكين المسلمين"، واعلموا أنّ مَن حقّر أحداً من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس والله له أشدّ مقتاً فاتّقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين، فإنّ لهم عليكم حقاً أن تحبّوهم، فإنّ الله أمر رسوله (ص) بحبّهم فمن لم يحبّ من أمر الله بحبّه فقد عصى الله ورسوله ومَن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين... وإياكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بالشيء يكون لكم قبله وهو معسر فإنّ أبانا رسول الله (ص) كان يقول: "ليس لمسلم أن يعسِّر مسلماً ومن أنظر معسراً أظلّه الله بظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه.. واعلموا أنّ السنة من الله قد جرت في الصالحين وقال (ص): "مَن سرّه أن يلقى الله وهو مؤمن حقاً حقاً فليتولّ الله ورسوله والذين آمنوا وليبرأ إلى الله من عدوّهم ويسلم لما انتهى إليه من فضلهم لأنّ فضلهم لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا من دون ذلك ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل اتباع الأئمة الهداة وهم المؤمنين"... أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل ولا تجعلوا الله تبارك وتعالى – وله المثل الأعلى – وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عرضة لأهل الباطل فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا فمهلاً مهلاً يا أهل الصلاح لا تتركوا أمر الله وأمر من أمركم بطاعته فيغيّر الله ما بكم من نعمة... صبِّروا النفس على البلاء في الدنيا فإنّ تتابع البلاء فيها والشدّة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا إن طال تتابع نعيمها... فاتّقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام وأن يجعل ألسنتكم تنطبق بالحقّ حتى يتوفّاكم وأنتم على ذلك وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ولا قوة إلّا بالله والحمد لله ربّ العالمين، ومن سرّه أن يعلم الله بحبّه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا ألم يسمع قول الله عزّ وجلّ لنبيّه (ص): (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران/ 31).►

 

المصدر: كتاب مفاهيمُ خيرٍ وصلاح

ارسال التعليق

Top