• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أمة القرآن وقيادة العالم

أسرة

أمة القرآن وقيادة العالم
   (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة/ 143). لكي تكتشف الحقيقة، ويعرف الإنسان المسلم دوره الحضاري في هذه الحياة، لابدّ من القاء نظرة تحليلية شاملة على تأريخ البشرية، ومنذ أن تشكّل المجتمع الإنساني وبدأت قوانين التأريخ تأخذ طريقها في حركة الحياة، وحتى مرحلتنا الحاضرة. ولابدّ من قراءة التأريخ قراءة واعية وتشخيص القوى المؤثرة فيه، وتفسيره بعيداً عن التلاعب والتضليل والتزييف. ولابدّ من معرفة دور الأنبياء والرسالات في حركة التأريخ، ومسيرة البشرية.. إنّ كتّاب التأريخ الماديين قد دأبوا على تدوين التأريخ وتفسيره وفق نظرياتهم الالحادية، ووفق أهوائهم، ولصالح رؤاهم المتنكّرة للدين، ولتياره الحضاري الفاعل؛ لاخفاء دور الأنبياء والرسالات الإلهية في تأريخ البشرية، واعاقة حركة الرسالة الإسلامية، ودورها الفعّال في حياة الإنسان.. إنّ معرفة التأريخ البشري معرفة موضوعية، ودراسته دراسة علمية تكشف لنا حقيقة كبرى في حياة الإنسان، وهي: أنّ الأنبياء هم صنّاع التأريخ، وهم القوّة التي حرّكت تأريخ الإنسان بالاتجاه التصاعدني، وأنهم كافحوا الظلم والفساد والطغيان على مرّ العصور، فهم دائماً يمثّلون خط العدل والاستقامة والدفاع عن الإنسان المظلوم المضطهد، ويأخذون بيد الإنسان، لانتشاله من وهدة السقوط والضلال.. لقد سعى الأنبياء لأن يجسّدوا كلمة الله الهادية، حياةً وحضارةً ومنهجاً على هذه الأرض؛ لينعم الإنسان بالأمن والحبّ والسلام، ويستخدم عقله وطاقته النفسية والجسدية، وما وهبه الله من خيرات ونعم في هذه الأرض الصالحة؛ لتحقيق سعادته في الدنيا والآخرة. إنّ الأُمّة الإسلامية تمثّل الإمتداد الرسالي والحضاري لحركة الأنبياء والرسل.. وعليها أن تتحمّل مسؤوليتها الرسالية بأهليّة وجدارة.. فهي وارثة تأريخ الأنبياء، والمسؤولة عن مواصلة المسيرة، وحمل الرسالة والدعوة الإسلامية إلى العالم أجمع؛ لتكون هي الأمة الشاهدة على العالم؛ ولتحقق دور الشهادة.. فهي لا تحتل هذا الموقع، إلا بحمل رسالتها، وتجسيد مبادئها.. إنّ العالم بحاجة اليوم، أكثر من أي يوم مضى، إلى رسالة الأنبياء، وإلى دعوة الأنبياء.. وانّ هذه الأُمّة، هي المسؤولة عن القيام بهذا الدور الرسالي.. ولذا يجب على المسلمين أن يعرفوا موقفعهم من حركة التأريخ.. وأنّه موقع القيادة والريادة. لقد ذهل المسلمون، وجهلوا أنفسهم ودورهم، عندما فقدوا أصالتهم، وأضاعوا هويتهم الإسلامية في زحمة الصراع المادي، وعندما انبهروا بما حققه الإنسان الأوربي الذي بدأت مدنيته من النقطة التي انتهى إليها المسلمون.. وتوقفوا عندها، بعدما ثبتّوا للبشرية وحدّدوا معالم السببيّة في التفكير الإنساني.. وأرسوا قواعد العلوم والمعارف وفلسفة الحياة العلمية والنظرية على أساس إيماني. لقد نسي المسلمون أنّهم أمّة العلم والإيمان، وورثة مسيرة الأنبياء، وحملة رسالة الحضارة والقيم.. وعندما أضاعوا رسالتهم، وأصالتهم الإسلامية، تحوّلوا إلى وجود مهمل، وقافلة تلهث وراء المسيرة.. إنّ البشرية بحاجة إلى ما بأيدينا من رسالة وقيم وتراث مجيد.. وعلينا أن نعي دورنا التأريخي، وعظمة مبادئنا، ونعرف أننا مكلّفون بدور قيادي في حياة البشرية، وأن نكون في طليعة الركب، وفي مقدّمة المسيرة.. إنّ هذا الوعي يعيد الثقة بالنفس لهذا الإنسان الذي فقد أصالته وهويته، وسقط في شراك التبعيّة والذوبان الفكري والأخلاقي والسلوكي، وتحوّل إلى تابع ومقلّد.. حتى في المشي والمأكل والأزياء، وليس في الأفكار والقوانين، ونظام الحياة وحسب.. إنّ الأمّة الإسلامية، تملك كل عناصر النهضة، وأسباب القوّة، ومستلزمات القيادة البشرية، فهي تملك: الرسالة والقيم الإنسانية السامية. وتملك طاقات بشرية ضخمة تزيد على مليار إنسان. وتملك ماضياً مجيداً، وتراثاً تأريخياً عظيماً. وتملك ثروات طبيعية هائلة، وأرضاً خصبة غنيّة. وتملك موقعاً استراتيجياً فذاً. ولديها طاقات وكفاءات علمية وفكرية، لو أحسن استخدامها، لأرتقت بهذه الأُمّة إلى مستوى علمي رفيع. إنّ هذه الأمة بحاجة إلى وعي لرسالتها، ومعرفة لدورها القيادي، واحترام لقدراتها ومكانتها، فمتى ما عرف الإنسان المسلم أنّه مكلّف بمواصلة مسيرة الأنبياء، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم أجمع، وهداية الإنسان، يكون قد اكتشف موقعه التأرخي، ودوره الإنساني في الحياة، والذي شخّصه القرآن الكريم، عندما وضع النصّ الآتي على لسان الرسول محمد (ص): (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف/ 108). فها هو القرآن يقرر مهمة الرسول (ص)، والذين اتبعوه، وساروا على نهجه، وهي الدعوة إلى الله، وحمل الرسالة. وهداية الإنسان، واصلاح البشرية.. انّ هذا هو السبيل، وليس غيره.. هو السبيل الذي سار فيه الأنبياء جميعاً، وواصل السير فيه خاتم النبيين محمد (ص)، ويسير فيه أتباعه، وحملة رسالته من بعده. وإذا كانت الأُمّة الإسلامية تملك كل عناصر القوّة، ومستلزمات القيادة البشرية، فهي بحاجة إلى تحقيق عناصر أساسية للنهضة، ولاحتلال هذا الدور القيادي، ولإستخدام وتوظيف تلك القوى والامكانات، وهذه العناصر هي: 1- الإيمان الواعي بالرسالة الإسلامية، فهمها فهماً علمياً سليماً، وتعريف المسلمين برسالتهم، وتوعيتهم، توعيةً إسلامية أصيلة. 2- العمل بهذه الرسالة، وجعلها منهج حياة، في السياسة، والاقتصاد، والأخلاق، والعبادة، والاجتماع، وطريقة التفكير، وفهم الحياة، والكون، والوجود. 3- حمل هذه الدعوة إلى العالم، وتعريفه بتلك المبادىء والقيم، والعمل من أجل نشرها، وهداية البشرية بهداها. وعندئذٍ تستطيع الأُمّة الإسلامية أن تحتل موقعها القيادي، ودورها التأريخي الرائد، وتحقق أصالتها، وتعود إليها هويتها الضائعة. إنّ غياب الأُمّة الإسلامية الحضاري والتأريخي، هو الذي جعلها تخضع لسيطرة الاستكبار وللطغاة والضالمين، وتشعر بالضعف وبالحاجة إلى الانتماء إلى هذا المعسكر الفكري والسياسي، أو ذاك، واستجداء النظريات: الرأسمالية، والماركسية، والاشتراكية، والفلسفات المادية من مصدّريها. فما جنت غير الضياع والخنوع والمآسي. وبوادر النهضة والصحوة الإسلامية، بدأت منذ أمد على يد العلماء والكتّاب والمفكِّرين والدعاة الإسلاميين، على شكل ثورات ضدّ الاستعمار وعملائه تارة، أو على شكل تيار فكري يحاول تحقيق الوعي والأصالة الفكرية لهذه الأُمّة تارة أخرى، وفي أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي، إلا أنّ الاستكبار وعملاءه، عملوا على شلّ هذا الانبعاث الإسلامي، والحيلولة دون إحداث عملية التغيير الإسلامي الشامل، بشتى الوسائل والأساليب. إنّ الأمّة الإسلامية، هي أمة التوحيد، وأمّة العلم والعمل، وحاملة لواء الحقّ والعدل.. فمتى ما وعى المسلمون هذه الحقيقة، وحملوا ذلك اللواء، جيلاً بعد جيل، استطاعوا أن يكونوا الأُمّة الشهيدة على البشرية، بما تحمل من رسالة ودعوة، وبما تقدّم من علم وعمل صالح.. وحينما تتخلّى هذه الأُمّة عن دورها القيادي، وتعيش على هامش التأريخ، تقلّد الاتجاه الجاهلي، والتيّار المادي، بشتى نظرياته وفلسفاته، تكون أمة قد خسرت الحياة، ووضعت نفسها خارج دائرة التأريخ، وحقّ على الله أن يستبدلها.. وقانون الالغاء والاستبدال التأريخي، قانون حاسم، يحسم حركة التأريخ والإنسان، فالضعفاء والمهزومون فكرياً ونفسياً وإرادياً أمام التيار الجاهلي، وقوى الاستكبار، والعاجزون عن حمل الراية الإسلامية، لا يستطيعون ان يحملوا ميراث الأنبياء، ويواصلوا مسيرة الدعوة الإلهية؛ لإصلاح أنفسهم والبشرية، كما أرادها القرآن، سيراً على سبيل رسول الله (ص): (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي...) (يوسف/ 108). وعندئذ يحكم وجودهم التأريخي قانون الالغاء والاستبدال، فتحل بهم المحنة، ويستبدلون بأناس غيرهم، ممن يحملون الراية، ويواصلون المسيرة النبوية، يؤمنون بوعي وأصالة بهذه الرسالة، ويعملون بها، ويحملون لواء الدعوة إليها، ويجاهدون من أجلها. (إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة/ 39). (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد/ 38). (أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) (الأنعام/ 89). إنّ الإنسان المسلم، وخصوصاً الواعين والمثقفين الإسلاميين، من علماء، وخطباء، وكتّاب، ومفكرين، ودعاة إسلاميين، هم المسؤولون عن إيجاد الحسّ والوعي الإسلامي، وتحسيس الأُمّة الإسلامية بواقعها المتخلّف.. والعمل الجاد من أجل خلق وعي وحس إسلامي؛ يجعل الجيل المسلم، يعرف رسالته ومكانته في حركة التأريخ، وفي هذا المجتمع البشري، المتلاطم بشتى صنوف الأفكار والفلسفات والنظريات المنحرفة. إنّ محنة المسلمين اليوم، تتركّز بجهل الإنسان المسلم بواقعه الفاسد المتردي، وبانحراف التفكير، وابتعاده عن منهج التفكير الإسلامي، وبتحوّل الإنسان المسلم إلى إنسان تابع للأفكار والنظريات الجاهلية، وتسابق الكثيرين من أجل تقليد حياة الشعوب الجاهلية، في عالم الشرق والغرب، واللحاق بها.. فهو لا يفكّر بأنّه صاحب رسالة ومسؤولية، وحامل دعوة هداية إلى العالم، ووارث مسيرة الأنبياء، وعليه أن يحتل موقع القيادة والريادة؛ ليضع البشرية على طريق الحق والخير.. بل ينظر إلى نفسه نظرة متردّية.. نظرة الإحساس بالنقص والتخلّف، فلا يتعدّى طموحه حدود اللحاق بالحضارة الجاهلية في الشرق والغربن وتقليدها والانصهار بتيارها.. وبذا يقود نفسه والبشرية إلى محنة الالغاء والسقوط والاستبدال التأريخي. وإذن: لكي تمارس الأُمّة الإسلامية دورها القيادي لأنقاذ البشرية، وهداية الإنسان، لابدّ من احداث عملية تغيير جذرية شاملة في تفكير الإنسان المسلم ووعيه وضعه النفسي والاجتماعي: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11). وإذن فإنّ عملية التغيير الفكري والنفسي والاجتماعي تحتاج إلى ما يأتي: 1- إيجاد وعي إسلامي ومعرفة بالرسالة عند أبناء المسلمين – عقيدة وتشريعاً وأنظمة وفكراً ومعارف أخرى – عن طريق المدارس والجامعات ووسائل الإعلام والكتابة والمحاضرات والندوات والمؤتمرات الثقافية والحوار الفردي والتثقيف العائلي والذاتي؛ ليعرف المسلمون عظمة الإسلام الفكرية، وقدرته على حلّ مشاكلهم، العقائدية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والعمرانية والتربوية... إلخ. وليتفاعلوا مع عقيدتهم ورسالتهم، تفاعلاً فكرياً، وتعبدياً، ونفسياً، وتثبت لديهم القناعة العقلية والفكرية والاستغناء بما يملكون من رسالة ومبادئ وقيم وأفكار عمّا يقدّم إليهم من أفكار وفلسفات ونظريات ماديّة جاهلية. 2- إزاحة عقدة الإحساس بالنقص والتخلّف، المسيطرة على بعض الضعفاء والمهزومين أمام تيار الحضارة المادية الجاهلية. بتعريف هذه الأُمّة بماضيها المجيد، وامكانيات النهوض فيها، وبتنمية الوعي التأريخي لمسيرة المدنية والحضارة البشرية، لدى أجيال الشباب المسلم؛ ليعرفوا كيف يبدأ ويسير التأريخ..؟ وكيف أن أمماً ولدت وانقرضت، وأخرى كانت في مؤخرة الركب فصارت في طليعته؟ (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران/ 140). فإنّ مثل هذا الوعي يشكل عنصراً نفسياً وإرادياً مهمّا في عملية تحريك الإنسان، وتنمية الطاقة النفسية، والقوّة الدافعة له نحو العمل من أجل عودة الإسلام إلى الحياة، وعودة الإنسان إلى طريق الهدى. وبالتالي تزاح عقدة اليأس من تفوق الإسلام وعودته، ليحمل راية القيادة البشرية في ربوع الأرض، مرّة أخرى، كما حملها الرواد الأوائل، واندفعوا براية التوحيد إلى آفاق الدنيا، يحطّمون الطواغيت وعروش الظالمين، ويحررون الشعوب والأُمم، وينشرون الإسلام بقلوب عامرة بالإيمان والتفوق على التيّار الجاهلي المنحط. 3- تربية الإحساس الذاتي بالمسؤولية: والعنصر الثالث من العناصر التي لابدّ من توفرها لتحريك ركود الأمة، والدفع بها نحو أفق الإسلام المتحرّك، هو تربية وتنمية الإحساس بالمسؤولية الذاتية.. فالإنسان المسلم متى ما شعر أنّه مسؤول عن مصيره، وعن التفكير والاهتمام بمصير هذه الأُمّة، ووعى معنى قول الرسول الكريم (ص): "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، وخرج من قوقعة الذات، والانكفاء عليها.. وغدا يفكّر بأفق أوسع، وباهتمام أكبر، وحمل همّ الأُمّة وآلامها في قلبه ووجدانه، في مشاكلها، وتكاثفت هذه الأحاسيس والاهتمامات، توفر عنصر الحركة والانطلاق نحو بناء أُمّة قويّة، تحسّ بالمسؤولية الرسالية، والاهتمام الرسالي. 4- تنمية الوعي والحسّ القيادي عند أبناء الأُمّة الإسلامية؛ ليعرفوا مسؤوليتهم، وواجبهم القيادي، على هذه الأرض. فالإنسان المسلم بعد أن فقد دوره المركزي في حياة البشرية، وفقد أصالته وثقته بنفسه – بشكل عام – وتراكمت عليه عوامل التخلّف والمحن والركود، لم يعد ذلك الإنسان الذي يفكّر باحتلال موقع اقيادي على هذه الأرض، وحمل الراية – راية العلم والحضارة والمبادىء - .. بل انحصر كل همه وهمته في التخلّص من الاستعباد المفروض عليه، ومن مظاهر التخلّف السياسي والاقتصادي والأخلاقي والعلمي، واللحاق بركب المتقدمين عليه، والانشغال بالبحث عن العيش تحت أية راية كان ذلك العيش.. إنّ هذه السلبية، وهذا التراجع في التفكير، ما هو الا نتاج معاناة حضارية، وفهم متخلّف للإسلام، انعكس على تفكير واهتمام الإنسان المسلم، انعكاساً سلبياً. إنّ أجيال المسلمين بحاجة إلى تربية إيجابية، توضّح لهم دورهم ومسؤوليتهم القيادية، وترفعهم إلى مستوى الواجب والمسؤولية الذي تحدث عنه القرآن وعرضه على لسان ذلك الرجل المؤمن الداعي إلى سبيل الرشاد: (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ) (غافر/ 38). وتحدث عنه في موضع آخر فقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة/ 143). وقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...) (آل عمران/ 110). إنّ رسالة القرآن يجب أن تقود البشرية، وأنّ أمة القرآن يجب أن تكون الأُمّة الشاهدة على البشرية، بما تمارس من دور قيادي وعمل رسالي، وانّ منهج الإسلام ودعوته، يجب أن يكونا هما الدليل الذي يرسم للبشرية طريق المسير، وأنّ أبناء الأُمّة الإسلامية، هم المكلّفون بحمل هذه الرسالة، وتعريفها للناس، ودعوتهم للعمل بها، والسير على هداها. إنّ القرآن يجعل القيادة والريادة للذين يحملون راية الدعوة إلى الهدى، ويضعون البشرية على طريق الإيمان، ويقودون الإنسان في سبيل الخير والاصلاح، ويحذّر الإنسان من أن يتسلل إلى قيادته من يضله، ويقوده إلى هاوية السقوط والضلام. ولقد أوضح القرآن هذه الحقيقة بقوله: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس/ 35). (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء/ 115). ولكي ينمّي وعي الإنسان القيادي، ويفهمه بأهمية هذه القضية الحيوية في تأريخ الإنسان، راح يعرض نماذج وصوراً من المصير الماساوي الذي ينتهي إليه السائرون خلف قيادات الضلال، والتابعون لخطوات الشيطان، والمستظلون برايته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور/ 21). (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) (غافر/ 47-48). وهكذا ترتفع رايتان، وتُتَّبَع مسيرتان، راية الهدى وراية الضلال، ومسيرة الإصلاح، ومسيرة الفساد. فغن سقطت راية الهدى التي حملها الأنبياء والسائرون على خطاهم، لن ترتفع إلا راية الضلال.. ولا تُتَّبَع إلّا خطوات الشيطان، ولن يعيش الإنسان ألا في جحيم الظلم والظلام؛ لذا كانت مسؤولية الإنسان المسلم، مسؤولية كبرى، ودوره أساسياً في حياة البشرية ومصيرها على هذه الأرض، وفي عالم الآخرة. إنّ البشرية اليوم تتنازع على قيادتها قوى الجاهلية والطاغوت، وتخضع مرغمة لتوجيهاتها وخططها، وهي تسير نحو الهاوية، وتسرع الطى نحو الفناء والدمار النووي، ونحو الفساد والانحطاط الأخلاقي، ونحو الانحراف النفسي والقلق العابث، ونحو السقوط الحضاري. إنّ سفينة البشرية، تسير اليوم، بصورة عامة، خلف خطوات الشيطان، قوى الاستكبار ألتي تخطط، وتقود، وترغم الضعفاء على السير خلفها، واتباع خطواتها الشيطانية، ولا يملك أحد، البديل، والمنهج، وخارطة المسير، غير أمة القرآن، ودعوة القرآن، فعلى أبناء هذه الأُمّة، وحملة هذه الرسالة، من علماء، ومفكرين، ودعاة إسلاميين، وغيرهم، أن يعوا هذه الحقيقة، ويفكّروا في مسؤوليتهم القيادية، المنقذة للبشرية، فينبذوا خلافاتهم، ويوحّدوا صفوفهم، ويكوّنوا قوّة واحدة.. عليهم جميعاً، وفي كل أرجاء الأرض، أن يفكّروا بصيغة لعمل إسلامي مؤحّد، يجمع صفوفهم، ويحّد كلمتهم، ويوجّه طاقاتهم لمواجهة التيار الجاهلي العابث. (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة/ 105).

ارسال التعليق

Top