• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إنسانية الإنسان في ظل القرآن

د. عبدالرحمن علي الحجي

إنسانية الإنسان في ظل القرآن

◄إن إنسانية الإنسان وكرامته وحريته الحقة الكاملة لا يمكن أن تتحقق في ظل اعتقاد أو نظام لا يفرد الله سبحانه بالربوبية ويشرد عن العبودية.

وواقع البشر خلال تاريخه الطويل يثبت هذه الحقيقة ويصدها. فما من مرة انحرف الناس فيها من الدينونة لله وحده، ودانوا لغيره بالاعتقاد والشعائر أو الأحكام الا فقدوا بذلك إنسانيتهم وكرامتهم وحريتهم..   أمة القرآن: يا أُمّة القرآن عودة إلى هذا القرآن الذي جعل الله القضية الأساسية فيه الألوهية والعبودية، والألوهية الحقة بخصائصها في الربوبية والقوامة والحاكمية والعبودية الكاملة التي تعبد الناس لإلههم الحق في كل حال ومال (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 25). وحياة الإنسانية والبشرية أجمعين بدون ذلك يصيبها في هذه الحياة البور والدمار ويورثها في الآخرة الخسارة فحياة البشر لا تستقيم الا إذا استقامت هذه الحقيقة الكبرى في اعتقادهم وتصورهم وفي حياته وواقعهم. لا تستقيم ازاء الكون الذي يتعاملون مع أشيائه وأحيائه اذ حين يضطرب تصورهم لحقيقة الألوهية والعبودية يؤلهون الأشياء والاحياء. وان إنسانية الإنسان وكرامته وحريته الحقة الكاملة، لا يمكن أن تتحقق في ظل اعتقاد أو نظام لا يفرد الله سبحانه بالربوبية، ويشرد على العبودية. وواقع البشر خلال تاريخه يثبت هذه الحقيقة ويصدقها.   العبودية لله: وانّ الذين شردوا من العبودية لله وقعوا في شقوة العبودية لغيره التي أكلت إنسانيتهم وكرامتهم وحريتهم، مهما اختلفت الأنظمة والقوانين، شرقية أو غربية مستوردة أو محلية، مهما ظنوا فيها وادعوا لها، لكن واقع الحياة كان كفيلاً بكشف وهنهم وبيان زيفهم وربما ردهم إلى الحق بعد أو قبل فوات الأوان. لقد تبين لفرعون ضلاله بعد أن أغرقه الله (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) (يونس/ 90-92). لكن الذين أسلموا متأخرين قبل فوات الأوان حازوا كذلك خير هذا الدين، والإسلام يجب ما قبله فعوضوا عما فاتهم. ففي معركة أُحد والمسلمون بقيادة رسول الله (ص)، متجهون إلى المعركة فتح الله قلب أصيرم بن عبدالأشهل للإسلام فأسلم وعلم انّ المسلمين ذهبوا للجهاد، فحمل سيفه ولحق بهم، وقاتل حتى قتل، ووجد في الرمق الأخير ودهش لرؤيته الأنصار لما يعرفون من كفره وصده فقالوا: والله انّه للأصيرم فسألوه فأخبرهم الخبر. ذلك هو مقتضى الصدق في هذا الدين، وقضى شهيداً فكان هو الذي دخل الجنة ولم يركع لله ركعة. وفي معركة اليرموك جرى مثل ذلك حين اقبل إلى معسكر المسلمين (جرجة) أحد قادة الروم، ليعلن إسلامه ودخل المعركة إلى جانب عكرمة، وتعاهدا على الموت في سبيل الله فاستشهدا جميعاً. وهكذا وهكذا كثيراً، فليلتحق المسلمون بركب الإسلام المنير يزداد القريب قرباً ويقترب البعيد كيماً يفوز بالخير ولا يفوته ويحظى برضا الله وجنته إن شاء الله تعالى.   الابتعاد عن منهج الله: فاتنا أن نتعظ مرتين: مرة بتاريخنا الإسلامي وحضارتنا، وكيف ارتقت الأُمّة الإسلامية وانتصرت وصعدت وعزت، طالما تمسكت بهذا الدين، لكنها خسرت من ذلك بقدر خسارتها من عدم التمسك به والالتزام بمنهجه. ومرة أخرى فاتنا الاعتبار والاتعاظ بكل من جانب الإسلام، ومنها الحضارة الحديثة شرقاً وغرباً، ومع امتلاكها كل تقدم علمي وتحقيقها لوسائل المعيشة المتنوعة، فعاثت بهم الهموم والأحزان، والمشاكل القاتمة، والأهوال الطاحنة، ووقفت بها على شفا جرف هار تكاد تسقط بها إلى سحيق ما له من قرار. وسواء انتهت هذه السلسلة من التنقل بين هذه الفلسفات والأنظمة الأرضية، أو ما زالت فيها بقية يدفعها الضلال والكبرياء والشرود عن الله، والتمسك بالجاهلية فسيبقى الإنسان خاسراً مسحوقاً منهوكاً ما دام في معزل عن الله سبحانه وتعالى.   الأمل الوحيد: ولكن الله تعالى رحيم بالإنسانية يتداركها بهذا الدين المنقذ المسعد في الدارين وهو الأمل الوحيد الآن وكل آن لانقاذ الإنسان. والعبودية لله وحده تطلق الناس أحراراً أبراراً شرفاء أعزاء. والعبودية لغير الله تأكل إنسانيتهم وكرامتهم ثمّ تأكل حتى مصالحهم المادية. وانّ هذه القضية لا تتعلق فقط بعبادة الأصنام والأوثان في الجاهليات القديمة، لكنها تتعلق بكل ألوان الجاهليات وان ادعت الحتميات والتقدميات، جاهليات ما قبل التاريخ وجاهليات التاريخ وجاهلية القرن العشرين وكل جاهلية تقوم على أساس من عبادة العباد للعباد. ومن أجل اخراج الناس من تلك الجاهليات وتعببيدهم لله رب العالمين وحده جاءت رسالات السماء في الموكب المنير يقودها ذلك الرهط الكريم من الأنبياء – عليهم السلام – وكانت خاتمتها الدائمة الباقية رسالة رسول الله (ص) الذي لابدّ أن تحتفل بها وتحتفي البشرية كلها لتنقذ نفسها من الشقوة، وترفعها من الهوة، وذلك واضح في القرآن الكريم المُنزّل على رسوله الأمين (ص) والذي فهمه وعاشه. أولئك الصحب الكرام. فحين سأل رستم قائد الفرس في القادسية رئيس وفد المسلمين إليه ربعي بن عامر عن الذي جاء بهم قال: "الله ابتعثنا لنخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن عبادة العباد إلى عبادة الله".   المخاض العسير: وانّ الله سينصر هذا الدين وينصر أهله، ويقيض من ينصره وان كنا على يقين نشهد ونرى إن شاء الله وبفضله في نفوسنا وتصوراتنا وعقيدتنا مؤمنين، ان دين الله منتصر، وان فارس الإسلام قائم وموكبه المنير قادم، ولكن لابدّ من تضحيات، ولابدّ من بذل صادق يقدمه المسلم. فإذا كان للحمل ولادة والولادة قادمة لابدّ لها من مخاض ولابدّ للمخاض من الأُم، سنة الله يتحملها المسلم بنفس راضية، وروح مرضية قوية حتى لو كانت الولادة تورث الموت (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف/ 21). ولابدّ بعون الله تعالى أن تشرق الأرض مرة أخرى بنور الله المبين ويهتدي أهل الأرض أجمعين بافراد الله بالألوهية وبالعبودية له وحده سبحانه وبنبوة الرسول (ص) قائداً وزعيماً، وبالقرآن الكريم دستوراً وكتاباً مبيناً مهماً تحك الظلام وتجهم الطغاة، بمشيئة الله وتوفيقه ومنته (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة/ 15-16).

ارسال التعليق

Top