• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إيحاءات عاشوراء في خطّ الثورة

عمار كاظم

إيحاءات عاشوراء في خطّ الثورة

قد كان لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) عدد من الأهداف، من أهمها الحفاظ على القيم الإسلامية من العبث والضياع، وحماية المجتمع وصيانة كرامة وحقوق الإنسان من الظلم. و قد اختار الحسين (عليه السلام) منهجاً لتحقيق هذه الأهداف استوحاه من القرآن الكريم وهو منهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كانت الثورة الحسينية هي بداية التغيير، من أجل أن تطلق الصرخة المدوية، المضرجة بالدماء، المنفتحة على كلِّ قيم الحقّ والعدل والعزة والكرامة والإنسانية والحياة في حركة الحاضر نحو المستقبل. تلك هي صورة التحدي الحسيني في مواجهة الواقع المنحرف في داخل الواقع الإسلامي، لأنّها حركة داخلية في ما يعانيه الوضع الإسلامي العام للأُمّة على مستوى الحكم والحاكم.

فالثورة بهذه المميزات غالباً ما تكسب التفافاً جماهيرياً شعبياً، تكون العاطفة جزءاً من مقومات ذلك البركان الغاضب، وبالخصوص منها تلك الثورات التي تقوم على أساس إحقاق الحقّ في وجه الباطل وشرّ الحكّام. وعند ذاك ستحقق الثورة (إن نجحت أو فشلت) نتائج وأهداف عديدة، ففي حالة النجاح سيتغير الواقع الذي انطلقت من أجله تلك الثورة إلى واقع أفضل وأحسن، وإن فشلت فإنّها ستجعل من الطرف المقابل أن يقوي من موقفه وطغيانه في الظلم من جهة، ومن الثائرين الغاضبين الثبات والإصرار بكلّ عزيمة على مواصلة المشوار في تغيير الواقع الذي من أجله انتفضوا مهما كلّفهم الثمن من جهة أخرى. إذا كان هذا هو واقع الثورات في العالم، فكيف يكون الحال في ثورةٍ كثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وهي ثورة المظلومين والمحرومين ضد الظالمين المنحرفين، وثورة الدين ضد التلاعب باسمه... كيف يكون الحال، والقائد سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي قال عنه: «حسين مني وأنا من حسين»، «أحب الله مَن أحب حسيناً».

هذه بعض إيحاءات عاشوراء في خطّ الثورة، فما هي إيحاءاتها في خط الدعوة إلى الله في نطاق الإسلام؟

من نافل القول أنّ كلَّ حركة للثورة هي حركة في اتجاه الدعوة. لأنّ الثورة تعمل على سدّ الثغرات التي ينفذ منها الكفر والضلال في واقع المؤمنين، وإغلاق النوافذ التي تتحرك من خلالها رياح الانحراف في أجواء المسلمين. كما تعمل على إثارة اليقظة في العقول النائمة، وتحريك الوعي في الأحاسيس الجامدة، وفتح القلوب على المفاهيم الخيّرة في الأجواء الشريرة.

وبذلك يجد الناس فيها حياة جديدة للإسلام، تجدد له شبابه، وتعيد إليه حيويته، وتسرع به إلى الهدف الكبير... فهي تختصر المراحل البعيدة لتجمعها في حركة فاعلة في اتجاه النتائج الحاسمة في الحياة.

لذلك كانت إيحاءات عاشوراء تنطلق في اتجاه الدعوة، من خلال انطلاقها في عنوان الإصلاح في أُمّة رسول الله، الذي يحمل في داخله إصلاح الخطين الفكري والعملي؛ لينفتح الناس على الإسلام كلّه، حتى لا يثقلهم الانحراف الواقعي فيبعدهم عن الاستقامة الفكرية.

إنّنا نحتاج إلى عدم الاستغراق في المعنى السياسي في الثورة الذي قد يبعدنا – في النظرة الساذجة – عن الدعوة، بل لابدّ لنا من أن نعيش التكامل في خطواتنا ليكون العنوان الفكري حركة في العنوان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعسكري، من أجل أن يكون الدين كلّه لله؛ فلا يكون فيه نافذة تطل على غير الله.

إنّ خروج الحسين (عليه السلام) القائد والثائر لم يكن أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما لطلب الإصلاح في أُمّة جده (صلى الله عليه وآله وسلم). نعم، كانت حياة الحسين كلّها عبر ودروس، فانطلق وضحّى بأغلى ما يملك من أجل الآخرين، من أجل أن يرسم للأُمّة خطّاً لهداية الحائرين، وأن يوقد شعلة تنير درب المظلومين.

ارسال التعليق

Top