• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

استقبال شهر رمضان بالتوبة والاستغفار

عمار كاظم

استقبال شهر رمضان بالتوبة والاستغفار

اختص الله عزّوجلّ شهر رمضان، بفضائل عظيمة ومكارم جليلة، يقول تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة/ 185). شهر اختصه الله بتنزل الرحمات والبركات من ربّ الأرض والسماوات، يقول النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «أتاكُم رمضانُ شهرٌ مباركٌ، فرضَ اللهُ عزّوجلّ عليكم صيامَه، تُفتحُ فيه أبوابُ السماءِ، وتُغلقُ فيه أبوابُ الجحيمِ، وتغَلُّ فيه مرَدَةُ الشياطينِ، للهِ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، مَن حُرِمَ خَيرَها فقد حُرِمَ». إنّ الواجب على المسلمين في استقبال شهر رمضان المبارك أن يغتنموا فرصة حلول هذا الشهر، لفتح صفحة جديدة وذلك بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، فكلُّ ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) (الزمر/ 53 - 54). وهكذا بالاستغفار تنوّر صحيفة المؤمن، وبالأحرى ينوّر قلبه، بل يتلألأ نوراً، لأنّه يمحو الظلمات ونقاط العتمة من القلب، ليكون كلّه صفاءً وبياضاً.. قلب سليم من كلّ ذنب وظلم وسوء.. وكان حقّاً بذلك الاستغفار ذهاباً لهموم مَن كثرت همومه، لأنّ أكثر الهم من التعلّق بالدنيا والتلوّث بأدرانها، والاستغفار سياحة مع الربّ في فضاء رحمته الواسعة التي وسعت كلّ شيء. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رُوِي عنه: «مَن أكثر الاستغفار جعل الله له من كلّ هم فرجاً، ومن كلّ ضيق مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب». رُوِي عن الإمام جعفر الصادق: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتوب إلى الله في كلّ يوم سبعين مرّة من غير ذنب». ولو كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يكثر هكذا من الاستغفار، وهو المنزّه عن الذنوب، فكيف الحال بسائر العباد؟ وماذا يحمل الاستغفار للإنسان من خيرات حتى يلجأ إليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليل نهار؟ وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) (الفتح/ 2).

فلابدّ أن تكون في دروب الاستغفار كنوز وأسرار، فما هي؟

قال الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير الدعاء الاستغفار»، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير العبادة الاستغفار». إذن في الاستغفار بركات كثيرة، فهي أمان للأُمّة يبعد عنهم سخط الله تعالى ويجلب رحمته، فالمستغفر يشعر بالأمن يحيط به من كلّ جانب والطمأنينة تملأ قلبه، فيستشعر رحمة الله ويشعر بالرِّضا عن نفسه وعن الحياة، وتلك سعادة ما فوقها سعادة.

وفي هذا الشهر المتميز على غيره من الشهور الأخرى، فالعطاء أكبر والمغفرة أوسع فهو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيّام بل وساعاته أفضل الساعات. لذلك يحتاج المسلم إلى أن يذكر نفسه وغيره بضرورة استثمار الأوقات المباركة ومواسم الرحمة والمغفرة في العمل للآخرة، وبضرورة الإفادة من الوقت ونفحات هذا الشهر وآثارها المباركة العاجلة والآجلة. لذا، فإنّه من المهم بمكان أن ينتفض المسلم انتفاضة رحمانية روحانية رمضانية مع انطلاق هذا الشهر الكريم، ليزيل غبار المعاصي المتراكم، والوهن الذي أوهى القلوب والأفكار، فيعيد نور الفطرة إلى القلب المظلم، ويغذي الروح بمياه النقاء، ويكسو الجوارح بلباس التقوى، ويعطر كيانه بعبير التوبة والمغفرة، فيسلم من الضلالات، ويكثر من الدعاء وقراءة القرآن، ويطرد عن نفسه تلك الأدران التي ربما لحقته قبل إشراقة شمس رمضان مستفيداً من هذا الشهر وبركته. سالكاً خطى النبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، مقتدياً بكمال علوم همته (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذاته وأُمّته، ولاسيما في مثل هذه الأوقات الفاضلة والمواسم الفاصلة في حياة المسلم.

ويؤكِّد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في شهر رمضان، أن يستحضر الإنسان كلّ ذنوبه السالفة ليتوب إلى الله منها: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) (الشورى/ 25)، و(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) (البقرة/ 222)، والتوبة هي الندم على ما فعله الإنسان من ذنب، والعزم على أن لا يفعل ذلك في المستقبل، وهي التوبة النصوح التي يدعو النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إليها: «وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنّها أفضل الساعات ـ فالصلاة هي معراج روح المؤمن إلى الله، وعندما يقف الإنسان بين يدي الله مستشهداً بذلك على عبوديته له، فإنّه يكون قريباً إليه ـ ينظر الله عزّوجلّ فيها بالرحمة إلى عباده؛ يجيبهم إذا ناجوه، ويلبِّيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه. يا أيّها النّاس، إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ـ فما الذي يحرِّر هذه النفس ويعتقها؟ ـ ففكّوها باستغفاركم ـ أن نستغفر الله في الصباح والمساء، ليستذكر كلّ إنسانٍ ذنبه، ويستغفر الله منه ـ وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخفِّفوا عنها بطول سجودكم ـ اسجدوا لله سجوداً طويلاً، لأنّ الإنسان عندما يسجد لله، يشعر بإخلاص العبودية له والقرب منه ـ واعلموا أنّ الله أقسم بعزّته أن لا يعذِّب المصلّين والساجدين، وأن لا يروّعهم بالنّار يوم يقوم النّاس لربّ العالمين». فالخير كلّ الخير في هذا الشهر مشهور فلنحافظ على هذا الخير في هذا الشهر الذي وصف بأنّه شهر الله الأكبر كما وصف بأنّه: شهر التوبة وشهر الطهور وشهر الصيام وشهر القيام وشهر الإيمان وشهر الإسلام وشهر التقوى وشهر التمحيص وشهر الإخلاص.

ارسال التعليق

Top