• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأصول الثلاثة الواجب معرفتها

إيمان إسماعيل*

الأصول الثلاثة الواجب معرفتها

◄معرفة العبد ربه ودينه ونبيه

من فضل الله تعالى وكرمه على بني الإنسان أنّه خلقهم ورزقهم ولم يتركهم هملاً، بل أرسل إليهم رُسلاً يهدونهم إلى سُبل الرَّشاد، فمن أطاع هؤلاء الرسل وسلك سلبيه نحو الله عزّ وجلّ فاز ونَجَا، ومن عصاهُم خاب وخسر.

يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولا شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلا) (المزمل/ 15-16). فالرسول يأتي إلى قومه بالعلم والمعرفة والدعوة إلى أن يعبدوا الله تعالى، مُخلصين له الدِّين ولا يُشركوا به شيئاً، إذ إنّ الهدف الأصيل لبعث الرُّسل هو تعليم الناس وتزكيتهم وتعريفهم بطُرق الوصول إلى ربهم. ولبلوغ ذلك فإن هناك ثلاثة أصول يجب على كلّ مسلم ومسلمة معرفتها، تلك الأصول هي: معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد (ص).

أنّ الدِّين الإسلامي يرفع من قيمة العلم والمعرفة، ويجعل من العلم شرطاً لقبول العمل الصالح، والدليل قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ...) (محمد/ 19). فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. وعندما يتعلق الأمر بالعلم والمعرفة، فإنّ هناك أصولاً ثلاثة يجب على كلّ مسلم ومسلمة تعلُّمها.

 

الأصل الأوّل: معرفة الله:

فإذا قيلَ للمسلم: مَن رَبّك؟ قال: رَبّي الله الذي ربَّاني ورَبَّى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه، والدليل قوله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) مستهلّ سورة الفاتحة. وكلّ مَن سوى الله عَلَم وأنا واحد من ذلك العالم.

فإذا قيل له: بِمَ عرفت ربك؟ قال: عرفته جَلَّ وعَلا بآياته ومخلوقاته، ومِن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السماوات السبع والأرضون السبع ومَن فيهنّ وما بينهما، والدليل قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت/ 37). والرب هو المعبود، والدليل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 21-22). قال ابن كثير (رحمه الله): الخالِق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة.

 

أنواع العبادة:

أنواع العبادة التي أمَر الله بها مثل الإسلام والإيمان والإحسان، ومنها الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والخشوع والخشية والإنابة والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله. فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون/ 117)، والدليل قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/ 60). وفي الحديث قول رسول الله (ص): "الدُّعاء مُخّ العبادة".

ودليل الخوف قوله تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 175). ودليل الرجاء قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف/ 110). ودليل التوكُّل قوله تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة/ 23). ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء/ 90). ودليل الخشية قوله تعالى: (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (البقرة/ 150). ودليل الإنابة قوله تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (الزمر/ 54). ودليل الاستعانة قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة/ 5). ودليل الاستعاذة قوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (الفلق/ 1)، في مستهلّ سورة الناس.

 

الأصل الثاني: معرفة الإسلام:

الإسلام هو الاستسلام الله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، وهو ثلاث مراتب: الإسلام والإيمان والإحسان، وكل مرتبة لها أركان.

المرتبة الأولى: الإسلام:

وأركان الإسلام خمسة: شهادة أنّ لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام. دليل الشهادة هو قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران/ 18)، ومعناها لا معبود بحقّ إلا الله وحده "لا إلهَ" نافياً جميع ما يُعبَد من دون الله "إلّا هُوَ" مُثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنّه ليس له شريك في ملكه. وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الزخرف/ 26-28). ودليل شهادة أن محمداً رسول الله قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 128). ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته في ما أمر وتصديقه في ما أخبر واجتناب ما نَهَى عنه وزَجَر وألا يُعبَد الله إلا بما شرع.

ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة/ 5)، ودليل الصيام قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183). ودليل الحج قوله تعالى: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران/ 97).

المرتبة الثانية: الإيمان:

وهو كما بيَّن رسول الله (ص)، في الحديث الشريف: "الإيمانُ بضعٌ وسبعون شُعْبَةً، فأعلاها قَوْلُ لا إله إلا الله، وأدناها إماطَةُ الأذَى عن الطَّريق، والحياءُ شعبَةٌ من الإيمان". وأركانه ستة، أن تُؤمِن بالله وملائكته وكُتبه ورُسله واليوم الآخر، وتُؤمِن بالقَدَر خَيْره وشَرّه. والدليل على هذه الأركان الستة، قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ...) (البقرة/ 177)، ودليل الإيمان بالقدر قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر/ 49).

المرتبة الثالثة: الإحسان:

الإحسان ركن واحد وهو أن تعبد الله كأنك تراه، والدليل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل/ 128). والدليل من السنّة النبوية المطهّرة، عن عُمَر بن الخَطّاب (رض)، قال: بينما نحن عند رسول الله (ص)، ذات يوم إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي (ص) فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يامحمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله (ص): "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً". قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره". قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل". قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: "أن تلد الأُمّة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان" قال: ثمّ انطلق فلبثُ مليّاً، ثمّ قال لي: "يا عُمَرُ أتدري من السائل"؟ قلتُ: الله ورسوله أعْلَمُ. قالَ: "فإنّه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم".

 

الأصل الثالث: معرفة رسولنا (ص):

وهو محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذريّة إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام، وله من العمر ثلاث وستون سنة منها أربعون قبل النبوة وثلاث وعشرون نبياً رسولاً. وبلده مكة وهاجر إلى المدينة، بعثه الله بالدعوة إلى التوحيد. والدليل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (المدثر/ 1-7). وقد أرسله الله تعالى إلى الناس أجميع، والدليل قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا...) (الأعراف/ 158)، وأكْمَلَ الله تعالى به الدِّين، والدليل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا...) (المائدة/ 3).

 

*المشرفة التنفيذية على مشروع الثقافة الإسلامية العالمية "ديني هويتي" في إدارة التثقيف والتوجيه الديني في دائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دبي.

ارسال التعليق

Top