• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام الزاهد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)

عمار كاظم

الإمام الزاهد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)

لقد كان الزُّهد معلماً بارزاً من معالم شخصية الإمام عليّ (عليه السلام)، وسمة مميزة زيّنه الله تعالى به، فعن عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ: «إنّ الله قد زيّنك بزينة لم يُزيّن العباد بزينة أحبّ منها، هي زينة الأبرار عند الله: الزُّهد في الدُّنيا، فجعلك لا ترزأ - تعيب - من الدُّنيا ولا ترزأ الدُّنيا منك شيئاً، ووهبك حبّ المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً».

وقد كان من شواهد تلك الصفة التي حباه الله تعالى بها أنْ زهدَ الإمام (عليه السلام) عن كلّ ملذات الحياة وزينتها وتوجّه بكلّ وجوده نحو الآخرة، وعاش عيشة المساكين، وأهل المتربة من رعيته.. لقد زهد الإمام (عليه السلام) بالدُّنيا وزخرفها زُهداً تاماً وصادقاً.. زهدَ في المال والسلطان، وكلّ ما يطمع به الطامعون.. فقد عاش (عليه السلام) في بيت متواضع لا يختلف عمّا يسكنه الفقراء من الأُمّة، وكان يلبس أبسط أنواع الثياب، وبقي ملتزماً بخطّه في الزُّهد طوال حياته.

الإمام عليّ (عليه السلام) هو الإنسان الذي باع نفسه لله، فلم يشعر بأنّ هناك شيئاً للذات في عقله، ليحرّك عقله على أساس ما يعطي الذات ضخامة وقوّة وحيوية بين الناس.. وهكذا كان قلب الإمام عليّ (عليه السلام) في كلّ نبضاته، وفي كلّ خفقاته، فلم ينبض قلبه إلّا بحبّ الله، حتى إنّه عندما كان يفكّر في النار، فإنّه، وهو البعيد كلّ البُعد عنها، لم يكن يفكّر في لذعاتها ولا في لهيبها، ولكنّه كان يفكّر في الله ويخشى أن تحجبه عنه تعالى: «فهبني يا إلهي وسيِّدي ومولاي وربّي، صبرتُ على عذابك، فكيف أصبر على فراقك؟». ليست مشكلتي يا ربِّ هي مشكلة العذاب، بل هي أنّ العذاب لو حدث، فإنّه يمثّل حاجزاً يحجزني عنك، فلا ألتقي بك، لأنّ الذين يعذَّبون، يبعدهم الله عن رحمته فلا يلتقونه، «وهبني صبرتُ على حرّ نارك، فكيف أصبرُ عن النظر إلى كرامتك»، وقد عوّدتَني كلّ كرامتك وكلّ لطفك وكلّ آفاق المحبّة التي تملأ قلبي. وهكذا كان عندما يتحرّك في الحياة مع نفسه، كان يقول للدُّنيا: «هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثاً»، وعندما كان يعيش مع الناس، لم يكن يفكّر فيهم إلّا من خلال الله: «ليس أمري وأمركم واحداً، إنّني أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم».

لقد انطلق الإمام عليّ (علیه السلام) من الإسلام؛ الإسلام المنفتح على الله تعالى، لأنّه مستمدٌّ من الله، ويتحرّك في طريق الله؛ انطلق من الإسلام الذي تلمذ عليه عندما تتلمذ على القرآن الكريم، على أساس أنّه كتاب الله، وعلى محمّد على أنّه رسول الله.. عليٌّ (عليه السلام) الذي عاش في مدرسة القرآن وفي مدرسة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد استوحى عليّ (عليه السلام) من القرآن مفهوم الزُّهد، فقال: «الزُّهد كلّه بين كلمتين: لكي لا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم». أي تقبَّل الحياة كما هي، فإذا جاءت الدُّنيا فتقبَّلها بشكلٍ طبيعي، ولا تطغَ فيها (كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق/ 6-7)، ولا تشعر بتضخّم شخصيتك. وإذا خسرت الدُّنيا، فلا تسقط ولا تتعلَّق بها، بحيث ترى نجاحها هو النجاح، وسعادتها هي السعادة، أو ترى فشلها هو الفشل، وشقاءها هو الشقاء، فلا تتألـم لما فاتك، ولا تفرح بما أتاك، ولتكن في حالتيك سواء، وهذه هي النظرة الإسلامية الموضوعية إلى الحياة، التي تجعل الإنسان متوازناً أمام الربح والخسارة، لأنّه يرجع الأشياء إلى طبيعتها، وعند ذاك، يمكنك أن تواجهها بشكلٍ عادي.. فلتكن صاحب رسالةٍ في الحياة كلّها للإنسان كلّه، فهناك باطل لابدّ من أن تسقطه، فهو يُرهق حياة الإنسان ويُسقط إنسانيته، وهناك حقٌّ يرتفع بالإنسان، ويسمو به، ويحقّق للحياة نتائجها الإيجابية، هذا الذي يبقى حتى لو فارقت الحياة، لأنّك بذلك تترك للحياة شيئاً من الحقّ في عقلك، ومن المحبّة شيئاً في قلبك، ومن الخير في طاقتك، ومن العدل في سلوكك، فإنّك قد تموت، ولكنّك تبقى حيّاً في الحقّ، وتلك هي المسألة. وقد كان طموح الإمام عليّ (عليه السلام) الحقّ ولا شيء غيره، حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع عليِّ يدور معه حيثما دار».

ارسال التعليق

Top