• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام موسى الكاظم (ع).. النبع الصافي والهدي الرباني

عمار كاظم

الإمام موسى الكاظم (ع).. النبع الصافي والهدي الرباني

هو موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق (عليهما السلام). ولد يوم 7 صفر سنة 128 من الهجرة في الأبواء (وهو مكان بين مكة والمدينة وفيه قبر آمنة بنت وهب أُم النبيّ (ص)). ومن فضائله وكرم أخلاقه أنّ رجلاً كان بالمدينة يؤذي الإمام موسى بن جعفر (ع) ويسبه، فقال للإمام بعض أصحابه ومواليه دعنا نقتله، فقال لا تفعلوا، ثم ركب دابته ومضى إليه وكان الرجل في مزرعة له، فدخل الإمام المزرعة فصاح الرجل لا تدس زرعنا فلم يلتفت إليه حتى وصل إليه وقال له: "كم ترجو أن تصيب منه". قال: أرجو أن يجيء منه مائتا دينار، فأخرج الإمام صُرة فيها (300) دينار ودفعها إليه وقال له: "هذا زرعك على حاله والله يرزقك". فقام الرجل يقبل رأس الإمام وصار يدعو له بعد ذلك. وكان (ع) يتفقد الفقراء في المدينة فيحمل إليهم الزنبيل ليلاً وفيه الطعام وصُرر الدراهم ويوصلها إليهم وهم لا يعلمون من أي جهة هو. كما كان يفعل أبوه وجده (عليهم السلام). وكانت صراره ما بين المائتين إلى الثلثمائة دينار ولذلك سمي بـ(باب الحوائج ). وكان (ع) يلقب بالصالح والصابر والأمين والكاظم، ويعرف بالعبد الصالح، وسمي بالكاظم لأنّه كان إذا بلغه عن أحد سوء إليه بعث بمال يغنيه. لقد شهد للإمام موسى الكاظم (ع) بوفور علمه، أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) إذ قال عنه: "إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم". وقال أيضاً: "وعنده علم الحكمة، والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا من أمر دينهم". كما نشأ الإمام الكاظم (ع) في بيت القداسة والتقوى، وترعرع في معهد العبادة والطاعة، بالإضافة إلى أنّه قد ورث من آبائه حب الله والإيمان به والإخلاص له، فقد قدموا نفوسهم قرابين في سبيله وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء على كلمة الشرك والضلال، فأهل البيت أساس التقوى ومعدن الإيمان والعقيدة، فلولاهم ما عبد الله عابد ولا وحُده موحد. وما تحقُقت فريضة ولا أُقيمت سنة، ولاساغت في الإسلام شريعة. لقد رأى الإمام (ع) جميع صور التقوى ماثلة في بيته، فصارت من مقومات ذاته ومن عناصر شخصيته وحدّث المؤرخون أنّه كان أعبد أهل زمانه حتى لقب بالعبد الصالح وبزين المجتهدين إذ لم ترَ عين إنسان نظيراً له قط في الطاعة والعبادة في صلاته وصومه وحجه وتلاوته للقرآن الكريم وعتقه للعبيد. وكان الإمام (ع) في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد اتّجه إلى الله ورغب فيما أعدّه له في دار الخلود من النعيم والكرامة. لقد كان عيشه (ع) زهيداً وبيته بسيطاً فلم يحتوي على شيء حتى من الأمتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء الأمر الذي يدل على تجرده من الدنيا وإعراضه عنها. ولقد تجلّى الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في الإمام (ع) فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون والمستضعفون لينقذهم من الفقر وجحيم البؤس.. حيث إنّه انفق (ع) جميع ما عنده عليهم، كلّ ذلك في سبيل الله لم يبتغ من أحد جزاءاً أو شكوراً، وكان يلتمس في ذلك وجه الله ورضاه. ومن فكره الإصلاحي أن أرشد الناس إلى الحقّ وهداهم إلى الصواب، فقد قام بدور مهم في إنقاذ جماعة ممن أغرتهم الدنيا وجرفتهم بتياراتها. وببركة إرشاده ووعظه لهم تركوا ماهم فيه من الغيّ والضلال وصاروا من عيون المؤمنين. لقد كان (ع) يدعو الناس إلى فعل الخير ويدلهم على العمل الصالح ويحذرهم لقاء الله واليوم الآخر، فقد سمع رجلاً يتمنى الموت فانبرى (ع) له قائلاً: "هل بينك وبين الله قرابة يحابيك بها؟ فقال: لا، قال له (ع): فأنت إذن تتمنّى هلاك الأبد". وكان الإمام (ع) بارّاً بالمسلمين محسناً إليهم، فما قصده أحد في حاجة إلّا قام بقضائها، فلا ينصرف منه إلّا وهو ناعم الفكر مثلوج القلب، وكان (ع)  يرى أنّ إدخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير فلذا لم يتوانَ فقط في إجابة المضطر ورفع الظلم عن المظلوم. إنّ الإمام موسى بن جعفر (ع) هو من العترة الطاهرة ومن شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة ومحط علم الرسول وباب من أبواب الوحي والإيمان ومعدن من معادن علم الله وبيت أهل النبوة الطاهرة الزكية. إنّ الرسول الكريم (ص)، قرن هذا البيت بالقرآن الكريم –كما ورد في حديث الثقلين- وصفهم بسفينة نوح التي مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق وهوى، ومثّلهم بباب حطّة الذي مَن دخله كان آمناً.. فهم النبع الصافي والهديّ الرباني السليم في ظلمات الهوى والوهم.

ارسال التعليق

Top