• ١٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمدادات الربانية من القرآن الكريم

عمار كاظم

الإمدادات الربانية من القرآن الكريم

شهر رمضان هو شهر القرآن الكريم، فيه أنزل على رسول الله (ص): (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة/ 185). أنزل الله تعالى القرآن الكريم روحاً يحيي ونوراً يهدي وصراطاً مستقيماً للسالكين: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ) (الشورى/ 52-53).

فما أحوجنا أن نجعل شهر رمضان شهر رجعة إلى القرآن الكريم، نقرؤه ونتدبره، ونستفيد مما جاء فيه فقراءة القرآن حياة وثواب عظيم وفلاح في الدنيا والآخرة على السواء.. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) (النساء/ 174)؛ ويقول سبحانه: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام/ 122)؛ نعم إنّ الاهتداء بالنور الذي أنزله الله والاستجابة لما أوحى الله تعالى به حياة طيبة كريمة أرشدنا الله تعالى إليها فقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97).

إنّ نزول القرآن لحدث عظيم وشرف كبير، لقد قدر الله تعالى الليلة التي أنزل فيها القرآن وجعلها خيراً من ألف شهر، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (سورة القدر). فالقرآن صلة بين عالم الغيب وعالم الشهادة، وهو كلام الله عزّ وجلّ الذي أنزله ليقود البشرية إلى خيري الدنيا والآخرة.. قال عزّ وجلّ: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء/ 9). ولقد قدر الله تعالى ورفع شأن العربية فأنزل القرآن بها ومن هنا تعظم مسؤولية من يتحدث العربية ويقرأ بها، ولقد أرشدنا الله تعالى إلى ذلك فقال تباركت أسماؤه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف/ 2). وقال عزّ وجل: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف/ 44)؛ فلنقبل أيّها المسلمون على القرآن فهو مصدر النور والروح.. إنّ الإقبال على القرآن هو الذي يزيد المحسن إحساناً، وهو الذي سيكف صاحب الشر عن شره، فإذا بالمسلمين يجدون أنفسهم ويجدون حياتهم الإيمانية ويلتقون كرة أخرى على منهج الله رب العالمين، وإذا التقوا على منهج الله سبحانه ربحوا معاركهم، كلّ معاركهم مع أنفسهم ومع مجتمعاتهم، وأخذوا لذلك الأسباب كلّ الأسباب. إنّ المخرج مما نحن فيه من تشتت وضياع، واختلاف وفرقة، وميل عن سبيل الله، هو أن نرجع إلى الله عزّ وجلّ ونعتصم بالقرآن، فكم هي فرصة طيبة في هذه الأيّام المباركة.. نرجع فيها إلى قرآننا ونستعرض ما مرّ بنا فنصحح المعوج ونقوم الخطأ ونستكمل النواقص، ونستمد العون من رب السماوات والأرض، من الله عزّ وجلّ، نستمد منه القوة بعد ما نستشعر ضعفنا وهواننا.  فلابدّ لمن يريد الارتفاع في الدنيا والسيادة والحصول على الدرجة العالية في الجنة في الآخرة بفضل الله تعالى، لابدّ له أن يفهم القرآن ويعمل بما جاء في القرآن. وإنّ هذا الشهر محطة يتزود منها المؤمن لباقي السنة من النفحات الإيمانية وملازمة كتاب الله عزّ وجلّ قراءة وفهماً وتدبراً وحفظاً. إنّ رجال القرآن هم الذين يحفظون كتاب الله علماً وعملاً وهم الذين يحفظ الله بهم كتابه العزيز لقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/ 9). إنّ الناس يحرصون على نيل أعلى المنازل والمراتب الدنيوية أما نحن فأصحاب غاية أخروية ولذا نحن نذكّر أنفسنا بقول الرسول (ص): "يقال لصاحب القرآن إقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها". وهذه هي المنزلة التي يريدها المؤمن ويسمو إليها ويحذر أن يكون من الذين قال الله فيهم: (إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان/ 30). أي تركوا قراءة القرآن وحفظه والعمل به، حتى أن بعض المسلمين تمر عليهم الأيام بل الشهور وهم لم يقرأوا أو يحفظوا من هذا القرآن شيئاً. وإنّها لبداية كريمة في هذا الشهر المبارك أن يتعاهد المسلم نفسه بقراءة القرآن وملازمة هذا الكتاب الكريم وبذلك يوصينا الرسول (ص) بقوله: "تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها". فلنمض نتواصى على قراءة القرآن الكريم، هكذا القرآن بستان مليء بالأجر والثواب الجزيل. مليء بالذكرى والموعظة والرضوان والحق والبيان. مليء بالرضى والرضوان والشفاعة والرحمة. هذه هي قيمة القرآن وأهميته في حياة الناس، فهو كتاب هدى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور. وهو كتاب البينات التي توضح للناس حقائق الأشياء ودقائقها بما يزيل كلّ شبهة، ويفرق بين الحق والباطل. فمعنى كون القرآن هدى، هو اشتماله على أسس الهدى لمن أراد أن يهتدي بها، فلا مجال للإشكال بأنّ هناك من لا يهتدي بالقرآن، لأنّ الهدى هنا بمعنى الشأنية لا بمعنى الفعلية.

ارسال التعليق

Top