• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الانفتاح على آفاق التوبة

عمار كاظم

الانفتاح على آفاق التوبة

في الصحيفة السجادية دعاء للإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): «اللّهُمّ صلِّ على محمّدٍ وآله، وصَيِّرنا إلى محبُوبِك من التوبةِ، وازِلنا عن مكروهِك من الإصرار. اللّهُمّ ومتى وَقَفنا بين نَقصَين في دينٍ أو دُنيا، فاوْقِعِ النقصَ بأسرَعِهِما فَناءً، واجعلِ التوبةَ في أطوَلِهما بقاءً». إنّ شوقنا للحصول على مغفرتك يا ربّ يتحرّك في وجداننا من الانفتاح على آفاق التوبة في حياتنا، من خلال الرفض الفكري للذنب الذي يعبِّر عن حالة التمرّد العملي على أوامرك ونواهيك، والرغبة في التخفّف من النتائج السلبية التي تثيرها الخطايا في النفس في تأثيراتها الشعورية المضادّة على طهارة الذات.

إنّنا في توقٍ روحي إلى الخلاص من الخطايا، ولكنّنا قد نضعف أمام ضغط النفس الأمّارة بالسوء، فامنحنا مساعدتك الإلهيّة، في تحويل واقعنا إلى واقعٍ للإيمان والتقوى، وذلك بالمصير إلى التوبة التي تحبّها لعبادك كما تحبّ عبادك من خلالها، وبالبُعد عن الإصرار الذي تتجمّد فيه الذات في دائرة المعصية فلا تخرج منها، فأنت تكره منّا ذلك من خلال ما يوحيه من معنى التحجّر الروحي، والانحراف العملي.

حرّرنا يا إلهيّ من الضغط الهائل الذي يضغط به الشيطان على حياتنا، فينحرف بنا عن الخطّ المستقيم الذي يؤدِّي إلى رضاك، لنكون الأحرار في إرادة الطاعة أمام الشيطان، فنؤكِّد بذلك عبوديتنا لك.. يا ربّ، قد تتحرّك بنا الحياة، فيستقيم لنا فيها العمل الصالح النافع الذي تجتمع فيه سلامة الدِّين والدُّنيا، فيكتمل لنا النفع في هذا وتلك، فلا نشعر بحرج فيما نمارسه منهما، ولا نواجه أية مشكلة في ذلك. ولكن قد نلتقي بموقف يفرض علينا الخيار الصعب، بين أن نقع في نقص الدِّين بالانحراف عن خطّ الاستقامة، والوقوع في ضغط المعصية، وأن نقع في نقص الدُّنيا بالخسارة في بعض مكاسبنا، والخلل في بعض أوضاعنا، والفشل في بعض خططنا، فلا نستطيع أن نتفادى أحدهما إلّا على أساس الوقوع في الآخر.

نتوسّل إليك يا ربّ أن تجعلنا نختار في إرادتنا نقص الدُّنيا ونبتعد عن نقص الدِّين، لأنّ نقص الدُّنيا يزول ويُفنى، فلا يترك أيّ تأثير على قضية المصير، فيما يتركه النقص من النتائج السلبية، لأنّ الدُّنيا لا تبقى في كلّ أوضاعها وقضاياها. ووفقنا لأن نعيش النتائج الإيجابية من لُطفك ورحمتك في الخطّ الذي يرتبط بالإيمان بك، ويمتد من الدُّنيا إلى الآخرة، لينفتح على مواقع رِضاك يوم يقف الناس بين يديك.

من المحتمل إنّ كلمة التوبة في الدُّعاء، إنّها النتيجة الطبيعية، وربّما المقصود من الكلمة، الانضباط في حركة المحافظة على الكمال في المسألة العملية في الخطّ الديني، وتفضيله على الكمال في المسألة الدُّنيوية. وربّما فسّر البعض في الدُّنيا النتائج السلبية التي تحدث من المعاصي، ممّا ينـزله الله بالإنسان من النقصان في القضايا المتعلّقة بدُنياه، أمّا النقص في الدِّين، فهو الحرمان من بعض الأعمال العبادية أو الخيرية التي تقرّبه إلى الله.. فالذنوب والمعاصي تستلزم إمّا خسراناً في الدُّنيا، كما قال تعالى: (ومَا أصابَكُم مِنْ مُصيبةٍ فبِمَا كسَبَتْ أيديكُم) (الشورى/ 30)، وكما رُوِي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «وأيم الله، ما كان قوم قطُّ في خفض عيش فزال عنهم إلّا بذنوب اجترحوها».. أو خسراناً في الدِّين، كما رُوِي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إنّ العبدَ ليذنب الذنب، فينسى به العلم الذي كان قد علمه، وإنّ العبدَ ليذنب الذنب، فيمتنع به من قيام الليل». وعن أبي عبدالله (عليه السلام): «إنّ الرجل ليذنب الذنب فيحرم صلاة الليل».

إنّ الفكرة هي أن يقف الإنسان ليوازن بين الدُّنيا والآخرة في أعماله وأقواله وعلاقاته التي قد تنقص دينه وقد تنقص دُنياه، فلا بدّ له من أن يختار التضحية ببعض أوضاع دُنياه، لمصلحة بعض أوضاع دينه، لأنّ ذلك هو علامة الإخلاص لله، والاستغراق في الرغبة العميقة المخلصة بالحصول على رضوانه ومغفرته بعد التوبة عن ذنوبه التي اجترحها.

ارسال التعليق

Top