• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الانفتاح على معاني الصوم

عمار كاظم

الانفتاح على معاني الصوم

إنّ من مهام الصوم وغاياته الشريفة، أنّه يربّي الإنسان ويدفعه إلى تصفية قلبه من كلّ كراهية وحقد وضغينة وحسد تجاه الآخرين. وإلى أن يجعله محلاً لنزول الرحمة والمحبّة والتسامح والانفتاح، حتى يذوق القلب طعم الإيمان وحلاوة التقوى، قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183). الصوم يمثِّل الطاعة والعبادة والخضوع لله عزّوجلّ، وهو يعلِّم الإنسان التقوى والورع عن محارم الله، من خلال تقوية الإرادة في طاعة الله، وهذا ما أرادت السيِّدة الزهراء (عليها السلام) في كلامها أن تنبّه عليه: «والصيام تثبيتاً للإخلاص»، لأنّه يصفّي روح الإنسان أمام الله، بحيث تنطلق التقوى من عمقه، فلا يكون فيه شيء لغير الله سبحانه وتعالى. ويذكِّر بالآخرة: «واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه»، وله فوائد صحّية: «صوموا تصحّوا»، واجتماعية: «تحنّنوا على أيتام الناس يتحنّن على أيتامكم»، «مَن فطَّر منكم صائماً، كان له بذلك عتق رقبة»، وأخلاقية: «مَن حسَّن منكم خُلقه، كان له جواز على الصِّراط»، وأجواء عبادية في الدُّعاء، وعلمية في قراءة القرآن والتدبُّر فيه، وغير ذلك.

أنت تصوم عن طعامك وشرابك وشهواتك قربةً إلى الله تعالى، وتمارس ذلك في رقابة الله التي لا تقارنها رقابة الناس، وفي الصلاة، يراك الناس وأنت تصلي، أمّا في الصوم، فالعملية سرّية. ولذا جاء في الحديث: «الصوم لي وأنا أُجزي به»، ذلك أنّ الصوم لا يتحقّق الرياء به إلّا إذا نطق به الإنسان، لماذا؟ لأنّ الصوم هو حركة حرمان الجسد من خلال الحالة الروحية الموجودة في الداخل. لذلك، فإنّ دور الصوم مثل دور الصلاة، ولكن في جانب آخر، وهو أنّه يحقّق للإنسان الإرادة النابضة بالروح، والمرتكزة على الانفتاح على الله، فكأنّك تقول لربِّك في صومك: يا ربّ، إنّني أصوم من أجل أن أُحقّق لنفسي في هذا الصوم الصغير القوّة على الصوم الكبير، لأنّ الله سبحانه وتعالى فرض علينا في شهر رمضان أن نصوم عن بعض ما اعتدناه في النهار، وفرض علينا في العمل كلّه أن نصوم عن المحرَّمات كلّها. ولذلك، جعل الله هذه الثلاثين يوماً فترة تدريبية في حضرته، أي أنّ الله يراقبك وأنت تتدرّب، والذي يتدرّب أمام الله، وخصوصاً في الجانب الداخلي، فمن الطبيعي أن تدريبه يجب أن يكون مركَّزاً، ولابدّ من أن يشعر الإنسان بالنجاح فيه، ولاسيّما إذا عرف أنّ دور الصوم مستقبلي، وليس دوراً يتحرّك في الحاضر فقط.

من هنا، من الضروري الإفادة من زمن الصوم، حتى نتعوّد على حفظ جوارحنا من الشرّ، فنحفظ أسماعنا عن أحاديث الزور والغيبة، ونحفظ ألسنتنا عن الكذب والنميمة، ونحفظ أبصارنا عن النظر المحرَّم، ونحفظ فروجنا عن الرذيلة، ونحفظ بطوننا عن لقمة الحرام. الصوم تربية لنفوسنا، حتى تتعرّف أكثر حلاوة الطاعة في خطّ الله، فلا مفاسد ولا انحرافات ولا قذارات مادّية ومعنوية باستطاعتها أن تؤثِّر سلباً في عزيمتنا وإرادتنا، وما دمنا نتمسّك بروح العبادة، فإنّنا من خلال الصوم وغيره من العبادات، نبني قوّتنا الذاتية ودفاعاتنا ضدّ الأهواء والإغراءات والمصالح والنزوات. إنّنا بذلك ننهى هذه النفوس عمّا يضرّها، ونرشدها إلى ما ينفعها: «يا نفسُ، ما نهى الله عنه فهو ممّا يُفسد حياة الإنسان في دنياه وآخرته، وأمّا ما أمرَ الله به، فهو ممّا يصلح حياة الإنسان في دنياه وآخرته».

فلنفكّر بهذه الطريقة، ونحن في ضيافة الله، حتى نخلِص لله في شتّى أُمورنا، وحساب النفس ليس أمراً سهلاً، إنّه يتحرّك في عالم الشهوة والمزاج (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)  (النازعات/ 40-41)، فالإنسان مدعوّ لفهم نفسه وحسابها ومحاكمتها ومجاهدتها، «اجعل نفسك عدوّاً تجاهده، لأنّها أمّارة بالسوء إلّا ما رحم ربّي».

ارسال التعليق

Top