• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

البعد العالميّ لشخصية رسول الله

عمار كاظم

البعد العالميّ لشخصية رسول الله

النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو النَّموذج الأكمل الذي يجسِّد الإنسان الذي تتجمّع مكارم الأخلاق في وجوده وشخصيته وفي حركته بين الناس، لذلك خاطبه الله تعالى في كتابه المجيد بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4)، حيث بلغ (صلى الله عليه وآله وسلم) في خلقه المستوى العظيم في كلّ صفاته المتمثلة في إنسانيته، وأراد للأمة أن تقتدي به، فخاطبها بقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب/ 21)، فهو القدوة، وعليكم أن تقتدوا به، فتأخذوا بسيرته وتنفتحوا على أخلاقيته.

لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل الوجوه الإنسانية وأكملها وأقربها إلى القلوب، والتأمل في سيرته والنظر في شخصيته والتدبّر في خُلقه وخصاله، يوقع الإنسان في الدهشة والحيرة.

ذكرى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ذكرى الرسالة لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكلّه رسالة، فقد انطلق قبل أن يبعثه الله رسولاً ليجسّد أعلى معاني إنسانية الإنسان في عقله، فكان المتأمل الذي يعيش مع الله في صدقه وأمانته حتى أنّ كلمة (الصادق الأمين) تحوّلت إلى اسم له، وكان الإنسان الذي يلتقي عليه الجميع لأنّه وحده الذي لم يجدوا له أي خطأ في الفكر وأي خطأ في الكلمة، وأي خطأ في السلوك وفي العلاقات.

في ذكرى مولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نريد أن نولد كأمّة حتى تتفتح على مواقعها كلّها، لتتحسس مسؤوليتها في قضاياها الحيوية، ولتكون كما أرادها الله خير أُمّة أخرجت للناس. فالمسألة لا تتصل بقومية الأُمّة ولا بعدد أفرادها لكنها تتّصل برسالتها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 110). وإذا فهمنا أنّ المعروف هو كلّ عمل يرضاه الله ويحبّه ويرفع مستوى الإنسان، والمنكر هو كلّ عمل لا يرضاه الله ولا يحبّه وينزل بمستوى الإنسان، عرفنا معنى أن تكون الأُمّة خير أُمّة أخرجت للناس، لأنّ الأُمة التي تحمل الرسالة للإنسان كلّه وللحياة كلّها ولا تحدّد حركتها في دائرة ضيقة هي أمة لابدّ أن تكون خير الأُمم. في مولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) علينا أن نولد كأُمّة حتى نستطيع أن نقف بين الأُمم في العالم، وذلك هو معنى ذكرى المولد. مولده (صلى الله عليه وآله وسلم) يمثل حركتنا في اتجاهه، ويمثل حركتنا في مسيرته، ويمثل انفتاحنا عليه، على عقل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المشرق بالله، وعلى قلبه المشرق بكلِّ المحبّة والعاطفة والحنان عن الناس (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 128).

هذا هو النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في قرآنه وفي مولده، فخذوا المولد من عقله ومن قلبه ومن روحه ومن أخلاقه، فستجدون أنّ كلّ واحد منكم يولد من جديد مسلماً كما هو الإسلام في ذكرى ولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فنحن وُلِدنا منذ زمن ولكن أن نولد مسلمين محمّديّين.. فهذه هي الولادة التي يمكن أن تجعلنا نحسّ إسلامنا بحقِّ، ونحسّ حياتنا في الضوء المنطلق من الرسالة.. ومن قلب صاحب الرسالة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107)، (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4).

وهكذا، فمن الطبيعي أن تكتسب هذه الشخصيّة المشرقة البعد العالميّ، وأن تضمر جميع شخصياّت العالم تحت ظلّ نوره، وتتمهّد أرضية تحقّق الوعد الإلهيّ في عولمة هذه الشريعة، وسيادة تعالم الدِّين الذي جاء به هذا الرجل العظيم الذي لا نظير له في التاريخ، حيث قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة/ 33).

ارسال التعليق

Top