• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

البيئة.. رؤية إسلامية

عمار كاظم

البيئة.. رؤية إسلامية

يتميز مفهوم البيئة في الإسلام بشموليته فهو يضمّ كلّ مخلوقات الله.. الأرض بما عليها من إنس وحيوان وطير، وما يظهر فوقها من جبال وطُرق ونبات، وما يجري تحتها من أنهار وبحار وعيون، وما يحيط بها من هواء، وما أودعه الله فيها من كنوز ومعادن وغيرها... والسموات، وما تضمّه من كواكب ومجرّات وغازات وسحُب، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ (الرحمن/ 33)، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ (لقمان/ 20)، وقوله جلّ شأنه: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ (البقرة/ 22). من هذا المنطلق دعا الإسلام إلى احترام البيئة وتقديرها والإحسان إليها والامتنان لها، عبر المحافظة عليها من كلّ ما يلوّثها ويؤذيها، وكلّ ما يُسيء إلى عناصرها من ماء وهواء وتراب وموارد.

إنّ زراعة نبتة لها أجر كبير عند الله في الإسلام، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) :«ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان أو بهيمة، إلّا كان له به صدقة»، في إشارة إلى أهميّة الزرع ودوره. ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «اكرموا عمّتكم النخلة»!. وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «ستُّ خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته: ولد صالح يستغفر له، ومصحف يقرأ منه، وقليب (بئر) يحفره، وغرس يغرسه، وصدقة ماء يُجريه، وسنّة حسنة يؤخذ بها بعده».

إنّ نظرة الإسلام إلى البيئة نابعة من المعرفة بالله، والتصوّر الشامل للإنسان، والكون، والحياة، وإنّ أي خلل في التصوّر ينعكس فساداً في السلوك، فالإسلام ينظر إلى الإنسان على أنّه سيِّد الموقف، فهو سيِّد هذا الكون، وكلّ ما في الكون مخلوق من أجله مُسخَّر له باعتباره الخليفة المؤتمن، قــال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة/ 30)، وقـال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ (ص/ 71-72).

كما إنّ موقع الإنسان في هذا الكون يحدِّد له الدور الذي ينبغي عليه القيام به لتحقيق المهمّة التي نيطت به، فالإنسان خليفة مؤتَمن، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ (الأحزاب/ 72)، فالخلافة عن الخالق في الخلق، تلزم الإنسان الخليفة بالمحافظة على الكون - المستخلَف فيه - حتى يؤدِّي الأمانة التي حملها فلا يظلم نفسه، فهو سيِّد هذا الكون، ولتحقيق هذه السيادة سخَّر له كلّ شيء حتى يتمكن من أداء الأمانة.

وهنا يأتي أيضاً مفهوم الرِّفق الذي هو من المفاهيم الإسلامية التي تساهم في حماية البيئة، لأنّه لا ينحصر بالرِّفق بالإنسان بل يتّسع ليشمل الرِّفق بالحيوان والطبيعة أيضاً، فرُوِيَ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله يحبّ الرِّفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجف فأنزلوها منازلها، فإن كانت الأرض مجدية فأنجوا عنها، وإن كانت مخصبة فانزلوها منازلها».. فالرِّفق خُلُق إسلامي رفيع ينبغي التخلّق به ومراعاته في التعاطي مع الإنسان أو الحيوان أو الطبيعة.

ارسال التعليق

Top