• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التواضع في القرآن الكريم

علي فضل الله

التواضع في القرآن الكريم

التواضع من أشرف الخصال الحميدة، وهو أن يرى الإنسان في نفسه، من حسن خلقه، وجميل عشرته للناس أنّه في ضعة عن مرتبة غيره، والواقع أنّه ليس كذلك، بل لما في نفسه العالية من خلق جميل، وسريرة طيبة، والتواضع ضد الكبر والخيلاء.

والجدير بالذكر، أنّ المتواضع، تنظر إليه الناس، بعين الاحترام والتقدير، يحسده حاسده على نعمة التواضع رغم تقديره له، ويغبطه محبه فيزيد بذلك رفعة وهيبة.

فالتواضع هالة قدسية، ونعمة سماوية، تجنب صاحبها الشرور والويلات، والوقوع في المزالق، والسقوط في لهوات الفتن، بل تدعه محصّناً بجلالة ووقار.

والتواضع نعمة كبرى من نعم الباري عزّ وجلّ على عباده. فالمتواضع يكون ضميره دائماً كالمال الزلال، صافياً نقياً، يكثر محبوه، ويقل مبغضوه، وترتاح نفسه، ويصفو عيشه.

وعلى هذا يكون المتواضع قد أرضى خالقه سبحانه وتعالى، ومشى على طبق ما يرضاه له عزّ وجلّ – وأرضى ضميره – واستراح من التفكير في اختيار صدور المجالس كما يفعل بعض أهل الكبر والخيلاء في عصرنا الحاضر بزعمهم أن عنوان الشخص بمجلسه وتصدره – لا بذاته وحسن سيرته..

ولكن.. قد نسي الكثير من الناس، انّه لا رافع لمن وضعه الله سبحانه – ولا واضع لمن رفعه، وكلّ شيء بمشيئته تعالى.

فالمتواضع لابدّ أن يكون، لين الجانب، حسن السيرة، طيب السريرة ممدوحاً من جميع الناس، مثاباً عند الله، مشكوراً عند عباده، - وإذا أحب الله شخصاً حبب الناس إليه.

 

القرآن الكريم والتواضع:

قال الله تعال:

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159).

عن مجمع البيان في تفسير القرآن: في هذه الآية دلالة على تخصيص نبينا بمكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال، ومن عجيب أمره (ص) أنّه كان أجمع الناس لدواعي الترفع، ثمّ كان أدناهم إلى التواضع، وذلك أنّه كان أوسط الناس نسباً، وأوفرهم حسباً، وأسخاهم، وأشجعهم، وأزكاهم، وأفصحهم، وهذه كلّها من دواعي الترفع.

ثمّ كان من تواضعه، أنّه كان يرقع الثوب، ويخصف النعل، ويركب الحمار، ويجيب دعوة المملوك، ويأكل على الأرض، ويجلس على الأرض، وكان يدعو إلى الله بلا زجر، ولا كهر، ولا زئر، ولقد أحسن من مدحه في قوله:

فما حملت من ناقة فوق ظهرها *** أبرّ وأوفى ذمة من محمد

وفي الآية أيضاً: ترغيب للمؤمنين، في العفو عن المسيء، وحثهم على الاستغفار لمن يذنب منهم، وعلى مشاورة بعضهم بعضاً، فيما يعرض لهم من الأمور، ونهيهم عن الفظاظة في القول، والغلظة والجفاء في الفعل، وقد دعاهم الله تعالى إلى التوكل عليه، وتفويض الأمر إليه، وفيها أيضاً دلالة على ما نقوله في اللطف، لأنّه سبحانه، نبّه على أنّه لولا رحمته لم يقع اللين والتواضع، فبيّن أنّ الأمور المنفّرة منفية عنه، وعن سائر الأنبياء، ومن يجري مجراهم، في أنّه حجة على الخلق، وهذا يوجب تنزيههم أيضاً عن الكبائر.

وقال سبحانه وتعالى:

(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) (المائدة/ 54).

وقال سبحاه وتعالى:

(وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر/ 88).

لقد خاطب الباري عزّ وجلّ، نبينا محمَّد بهذا القول (واخفض جناحك للمؤمنين) ليكون النبيّ الأعظم (ص) متواضعاً، لين الجانب – وحتى يكون محبوباً من الجميع ويتبعه الناس في دينه، فيؤدي الرسالة المقدسة. والعرب تقول – فلان – خافض الجناح إذا كان وقوراً حليما.

وقال سبحانه وتعالى:

(وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) (الحج/ 34)، أي المتواضعين المطمئنين إلى الله.

 

المصدر: كتاب الأخلاق الإسلامية

ارسال التعليق

Top