• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحيوية والنشاط في حياة المؤمن

الحيوية والنشاط في حياة المؤمن
هي حالة النشاط والمثابرة الدائمة والمنظمة في حياة الإنسان لقد حث الإسلام أبناءه على الحيوية وركز كثيراً في ذلك بهدف ضمان سعادتهم ونجاحهم في الدين والدنيا. قال علي (ع): "المؤمن يرغب فيما يتبقى ويزهد فيما يفنى بعيد كسله دائم نشاطه". وقال (ع): "إنّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما. ويأخذان منك فخذ منهما". وقال الصادق (ع) مخاطباً ابن جندب أقل النوم بالليل والكلام بالنهار". وقد جاء في الحديث: "علو الهمة من الإيمان".   - لماذا يحث الإسلام على الحيوية؟ هناك عدد من الأسباب الجوهرية في حياة الإنسان جعلت الإسلام يحث ويركز على الحيوية ويدعو أبناءه لارتداء حلتها البهية ومن هذه الأسباب والعوامل: 1- بالحيوية تؤدي الواجبات وتقام الفرائض، فالمؤمن لا يستطيع أن يقوم بما عليه من واجبات عائلية واجتماعية وجهادية ولا يستطيع أن يؤدي فرائض صيامه وحجه وسائر عباداته ما لم يكن حيوياً متقداً بالنشاط والفاعلية. قال الرسول (ص): "الدنيا ساعة فاجعلوها طاعة". وقد قال عزّ وجلّ: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود/ 114). وقال سبحانه وتعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (الأنعام/ 132). 2- بالحيوية يعم الخير على الناس فالإنسان المؤمن كل ما كثرت حيويته وكثر جهده كثر خيره وعمت بركته على الناس، فبحيويته يعين الضعيف وينصر المظلوم ويهدي الضال ويدفع البلاء أينما وجده. قال رسول الله (ص): "ايما مسلماً خدم قوماً من المسلمين إلا أعطاه الله مثل عددهم خدماً في الجنة". وقال سيدنا علي (ع): "السيد من تحمل أثقال أخوته واحسن مجاورة جيرانه". وقد قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) (النساء/ 75). وقال عزّ وجلّ: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/ 105). 3- بالحيوية يتقدم المرء ويصل إلى عالي الدرجات والتناسب يبقى طردياً دائماً بين حيويته وبين تقدمه. جاء في الحديث الشريف: "المرء يطير بهمته كما يطير الطير بجناحيه". وقال علي (ع): "الظفر بالحزم والحزم بإجادة الرأي". وقال (ع): "الصبر مفتاح الدرك والنجح عقبى من صبر". وقال: "لا يعدم الصبور الظفر وإن طاله به الزمان". وقد قال المثال: من طلب العلى سهر الليالي. وقال الشاعر: من جد وجد ومن زرع حصد ومن سار على الدرب وصل.   - موانع الحيوية والنشاط: هناك مجموعة من الصفات والعادات السلبية التي تحجب الإنسان عن الحيوية وتقوقعه في قفص الخمول والكسل، وقد حذر الإسلام من الصفات وحث على اجتنابها والتخلص منها ومن هذه الصفات: 1- الضجر والقلق، فالضجر معول يهدم النفس البشرية ويمنعها من السمو والتكامل وبالتالي من النشاط والانتاج الحسن. والضجر والقلق يمنعان الإنسان من التفكير السليم وبالتالي التحرك السليم كما أنّ الضجر والقلق يسقم الإنسان ويقعده مريضاً في جسده بعد نفسيته. قال علي (ع): "الهم نصف الهرم". وقال: "الهم يذيب الجسد". وقد ربط رسول الله (ص) بين الضجر وحيوية الإنسان مبيناً أن وجود الصفة الأولى يحجب الثانية. قال (ص): "يا علي إياك وخصلتين الضجر والكسل فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق وإن كسلت لم تؤد حقاً". 2- العجب والغرور: إنّ الإنسان يسعى حين يشعر بأن هناك حاجة للسعي فيتعلم حين يشعر باحتياجه للعلم ويكد حين يشعر بحاجة إلى المال أما إذا انعدم من الإنسان هذا الشعور فإنّه سوف يتوقف عن السعي فيمتنع الفلاح عن الحصد، ويمتنع التاجر عن المتاجرة ويمتنع الشاب عن تقبل النقد ويمتنع الطالب عن التعلم؛ وهذا ما يسمى بالعجب والغرور. وهو آفة الحيوية وعائق التقدم. قال سيدنا علي (ع): "أي بني.. إعلم انّ الاعجاب ضد الصواب وآفة الألباب". قال: "اعجاب الفرد بنفسه دليل في ضعف عقله". وقال: الاعجاب يمنع الازدياد". وقال سيدنا الصادق (ع): "العجب صارف عن طلب العلم وداع الغمط والجهل". وقال الرسول الأعظم (ص): ثلاثة لا يزيد الله بهن إلا خيراً: التواضع لا يزيد الله به إلا ارتفاعاً، وذل النفس لا يزيد الله به إلا عزاً، والتعفف لا يزيد الله به إلا عناء". 3- طول الأمل: وهي حالة نفسية تبعد جهد الإنسان عن واقع الحياة توحي بعقله في حديقة من التصورات والأوهام الخيالية البعيدة. قال تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (الحجر/ 3). وقال سيدنا علي (ع): "من أطال الأمل أساء العمل". 4- حب الراحة، وهي خلود المرء إلى شهوة الدعة والمرح، كشهوة النوم وشهوة اللعب وشهوة السياحة المفرطة. والابتعاد عن كل ما فيه مشقة للنفس وان كانت هذه المشقة طريقاً للتقدم والسمو. قال سيدنا علي (ع): "أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه". وقد خاطب الحق تعالى داود في حديث قدسي قائلاً: "يا داود: اني وضعت خمسة في خمسة والناس يطلبونها في خمسة غيرها فلا يجدونها... وضعت الراحة في الجنة وهم يطلبونها في الدنيا فلا يجدونها...".   - مظاهر إنعدام الحيوية: لانعدام الحيوية مظاهر ثلاثة أساسية في الحياة حتى إذا أصابت الإنسان قعدت به عن النشاط والعمل، وهذه المظاهر الثلاثة صفات كل إنسان خمول كسول وهي: 1- التواني: ويعني التسويف والتأجيل في الأعمال والواجبات. 2- التفريط: ويعني اللامبالاة واللاإهتمام بالأعمال والواجبات وهذه الصفة ناتجة عن الصفة الأولى. 3- التضييع: وتعني تبذير الأمور وإتلافها ثمّ الندم على فقدانها، وهذه الصفة ناتجة عن الصفة الثانية. وقد أوضح الرسول (ص) هذه المظاهر في الشخص الفاقد للحيوية بقوله: "أما علامة الكسلان فاربعة: يتوانى حتى يفرط ويفرط حتى يضيع ويضيع حتى يأثم ويضجر".   - كيف نخلق الحيوية في أنفسنا؟ كما للخمول والكسل عوامله التي تخلفه في النفس البشرية كذلك للحيوية عواملها التي تخلقها وتكرسها في نفس الإنسان وكما ينبغي للإنسان إجتناب العوامل التي تبعث الكسل في نفسه كذلك يجب عليه الالتزام بالاسباب والعوامل التي تخلق في نفسه الحيوية والنشاط وعوامل خلق الحيوية في النفس البشرية هي: 1- الشعور بالمسؤولية إنّ المسؤولية طاقة وهاجة تحرك من يشعر بها وتدفعه إماماً إلى ساحات العمل وخوض الغمرات في سبيل الرفعة والمثل. قال تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (الصافات/ 24). وقال عزّ وجلّ: (بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة/ 14-15). 2- التفكر الدائم إنّ الحيوية نشاط وعمل والفكر نور يهدي للنشاط والعمل، فمن ازداد من نور عقله إزداد عملاً ونشاطاً. قال سيدنا أمير المؤمنين (رض): "العقول أئمة الأفكار والأفكار أئمة القلوب والقلوب أئمة الحواس، والحواس أئمة الأعضاء". وقال: "فكرك يهديك إلى الرشاد ويحدوك على إصلاح المعاد". وقال: "أي بني الفكرة تورث نوراً والغفلة ظلمة". وقال: "من أسهر عني فكرته بلغ كنه همته". 3- إطاعة الناصح: إن إطاعة الناصح توفر على الإنسان مشقة التيه في الأمور والبدء من أولياتها والتوقف عند مجالها. إن إطاعة الناصح قوة فاعلة في دفع الإنسان إلى أتون النشاط والحيوية والانتاج. قال رسول الله (ص): "وأما طاعة الناصح فيتشعب منها الزيادة في العقل وكمال اللب ومحمدة العواقب والنجاة من اللوم والقبول والمودة والانشراح والانصاف والتقدم في الأمور والقوة على طاعة الله". وجاء في الحديث: "المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه". 4- التنظيم والتدبير الذاتي: إنّ الإنسان الذي لا تنظيم ولا تدبير له هو انسان لا إتقان في عمله ولا انتاج في جهده وبالتالي هو إنسان مائل شيئاً فشيئاً إلى اليأس من ثمّ الملل والضجر وبالتالي الخمول والكسل والتوقف عن العمل. من هنا لابدّ للإنسان أن يحافظ على تنظيم وتدبير شؤونه متى أراد لنفسه الحيوية الدائمة والنشاط المستمر. قال علي (ع): "من ساء تدبيره تعجل تدميره". وقال مخاطباً بنيه الحسن والحسين – عليهما السلام –: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم". وقال: "الناس أبناء ما يحسنون".

ارسال التعليق

Top