• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الدعاء.. سلاح المؤمن

الدعاء.. سلاح المؤمن
◄قال رسول الله (ص): "الدعاء سلاح المؤمن".

شاءت مشيئة الله أن يكون الإنسان في معرض الهجوم والكيد المستمر من قِبَل عدوه الشيطان الرجيم ولذا فقد حذر المولى عباده من عداوة الشيطان وكيده في آيات متعددة قال فيها عزّ وجلّ:

(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) (فاطر/ 6).

(إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (الإسراء/ 53).

(وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (الزخرف/ 62).

(أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يس/ 60).

ومن عظيم رحمة الله بعباده انّه لم يتركهم عزلاً أمام هذا العدو اللعين بل زودهم بأسلحة يستطيعون بها أن يدحروا كيده ومكره، فبالسلاح يستطيع الإنسان أن يدفع أذى عدوه وبوجوده يشعر بالطمأنينة والأمن. ومن هذه الأسلحة الربانية سلاح الدعاء الذي بواسطته يؤوب الإنسان إلى ربه ومولاه مخلصاً له الطاعة فيكون عندها قد استحق النصرة والعون من الله حيث يهبه الله البصيرة في الأمور ويهيأ له من الأسباب ما يدفع به الضراء ويكشف السوء ويحقق أمانيه.

فعن رسول الله (ص) انّه قال:

"ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعداءكم ويدر أرزاقكم؟

قالوا: بلى.

قال: تدعون ربكم بالليل والنهار فإنّ سلاح المؤمن الدعاء".

وعن الرضا (ع) قال:

"عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل ما سلاح الأنبياء، فقال الدعاء".

وعن الصادق (ع) قال:

"الدعاء أنفذ من السنان الحديد".

والسنان هو رأس السهم وعندما يكون من الحديد فانّه يمضي بلا موانع إلى الهدف حتى يصيبه ويخترقه. وهو كناية عن إصابة الداعي لمقصده وبلوغه هدفه مباشرة.

إنّ من يعرف جنود الشيطان الرجيم وأساليبه وكيده يدرك عظم المعركة ومساحتها الواسعة حيث تكون مجموع الحياة هي ساحة الصراع مع العدو والخبيث الذي لا يترك عالماً لعلمه ولا مؤمناً لدينه ولا مستضعفاً في بؤسه ولا فقيراً في طمره بل يختدع عباد الله كلّ بحسب حاله ومن جهات ضعفه ولذا فقد تنوعت الأدعية بما يناسب نوع الصراع لتكون أسلحة فعّالة على مختلف الجهات التي ينفذ منها إبليس وجنوده (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (الأعراف/ 27)، فهناك لكلّ وقت دعاء ولكلّ حالة دعاء ولكلّ شأن دعاء ولكلّ مكان دعاء حتى ليكاد الدعاء أن يحيط بالإنسان حياطة المعصم باليد ليجعله ذاكراً لله في كلّ وقت وحين، فلا يستطيع الشيطان أن يلعب بقلبه أو بعقله.

فبسلاح الدعاء يكون للمؤمن بصيرة وواقعية أمام كيد الشيطان تحول دون سقوطه في المعاصي والذنوب وتحصن قلبه تجاه مختلف المنافذ التي يدخل منها إبليس وجنده (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ).

ومن أمثلة هذه الأدعية أدعية الصباح والزوال والمساء والسحر والأوقات المخصوصة كليلة الجمعة ويوم الجمعة وليالي الأعياد والمناسبات الدينية الأخرى.

وكذلك في الأدعية المكانية كما في بيت الله الحرام والمسجد النبوي. وكذلك أدعية الأحوال المختلفة التي تعرض على الإنسان كالمرض والعافية والسفر والحضر والعمل وشؤون الأسرة والشؤون الشخصية وشؤون المجتمع والدولة وغير ذلك من شؤون الدنيا وأحوالها.

هذا عدا الأدعية العامة التي لم تقيد بوضع معيّن وإنما تركت بصورة مطلقة لتناسب وضع الإنسان النفسي بما يعيشه من إحساسات وأفكار.

وبهذا يشكل الدعاء، حصانه عظيمة أمام مختلف مغريات الشيطان واغوائاته.

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف/ 201).

انّ الدعاء كسلاح لا يحبط مكائد الشيطان وحبائله فحسب بل هو أيضاً يدفع الضراء عند حلولها، ويكشف البلاء وقد اطبق على المؤمن بفكيه حيث يهيأ له من ألطاف الله ومن المدد الغيبي ما يخلصه من الورطات والهلكات وينجيه من الشدائد.

عن الإمام موسى الكاظم (ع) قال:

"ما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيلهمه الله عزّ وجلّ الدعاء إلا كان كشف ذلك البلاء وشيكاً، وما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيمسك عن الدعاء إلا كان ذلك البلاء طويلاً، فإذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء والتضرع إلى الله".

وعن الصادق (ع) لأصحابه قال:

"هل تعرفون طول البلاء من قصره؟

قالوا: لا

قال إذا أُلهم أحدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا انّ البلاء قصير".

ولذا نجد أنّ هناك العديد من روائع الأدعية التي تمثل استغاثة العبد إلى ربه والتماس الفرج منه وخصوصاً عندما تطبق المحنة والبلاء بالآمها ومرارتها.

ومن أمثلة ذلك دعاء الفرج للإمام زين العابدين (ع) الذي يقول فيه:

"اللّهمّ يا من تحل به عقد المكاره، ويا مَن يفثأ به حدّ الشدائد، ويا من يلتمس منه المخرج إلى روح الفرج، ذلت لقدرتك الصعاب، وتسببت بلطفك الأسباب، وجرى بقدرتك القضاء، ومضت على إرادتك الأشياء، فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة، إلهي أنت المدعو للمهمات، وأنت المفرغ في الملمات، لا يندفع منها إلّا ما دفعت، ولا ينكشف منها إلّا ما كشفت، وقد نزل بي يا رب ما قد تكادني ثقله، وألم بي ما قد تكادني ثقله، وألمَّ بي ما قد بهظني حمله، وبقدرتك أوردته عليَّ، وبسلطانك وجهته إليَّ، فلا مصدر لما أوردت، ولا صارف لما وجهت، ولا فاتح لما أغلقت، ولا مغلق لما فتحت، ولا ميسّر لما عسّرت، ولا ناصر لمن خذلت، فصل على محمّد وآله، وإفتح لي يا رب باب الفرج بطولك، واكسر عني سلطان الهم بحولك، وأنلني حسن النظر فيما شكوت، وأذقني حلاوة الصنع فيما سألت، وهب لي من لدنك رحمة وفرجاً هنيئاً، وإجعل لي من عندك مخرجاً وحيّاً، ولا تشغلني بالاهتمام عن تعاهد فروضك، واستعمال سنتك فقد ضقت لما نزل بي يا رب ذرعاً، وامتلأت بحمل ما حدث علي هما، وأنت القادر على كشف ما منيت به ودفع ما وقعت فيه، فافعل بي ذلك وإن لم استوجبه منك يا ذا العرش العظيم، وذا المنّ الكريم، فأنت قادر يا أرحم الراحمين، آمين يا ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين".

وبذا يتضح أنّ الدعاء كسلاح يقوم بمهمتين يحبط مكائد الشيطان الرجيم وحبائله ويدفع الضراء والشدائد عند حلولها.►

ارسال التعليق

Top