• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الدعوة إلى ترك الذنوب والآثام

الدعوة إلى ترك الذنوب والآثام

◄إنّ المؤمن الحقّ ينبغي أن يسعى إلى تجنُّب الخوض في كلّ حديث أو عملٍ أو موقف من شأنه أن يُعرِّضه لمعاصي الله أو كراهية لا يحبّها الله لعبده، وهو ما يعني الالتزام بالحدود الشرعية للأحاديث أو الأفعال، وأن لا يتجاوزها فيقع في الإثم والمعصية، سواء أكان التعامل مع الأهل والأسرة والأقربون، أو كان تعامله مع أفراد عموم أفراد المجتمع.

يقوا الإمام زين العابدين: «ولا نَتَعاطى إلّا الذي يَقي مِن عِقابِكَ». في هذه الفقرة من الدعاء تأكيد على الجانب الآخر من الأعمال والمواقف التي تبعد عن الله وتدعو إلى غضبه، وذلك بالدعوة إلى هجر الأعمال والأقوال التي تؤدي إلى المعاصي وإلى نزول عقاب الله وانتقامه.

فما يقوله الإنسان أو يعمله في نطاقه الأسري الضيِّق أو في نطاقه العام، هو مسؤول عنه وعن تبعاته في الدنيا والآخرة، وهو ما أخبرنا الله سبحانه في كتابه من ضرورة اقتران الأقوال بالأعمال، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصَّف/ 2-3).

وكما أخبرنا من ضرورة الوفاء بالعهد والالتزام عند التحمل لكلّ مسؤولية، كما في قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا) (الإسراء/ 34)، وكما عَلَّم عباده من جميل الدعاء بقوله: (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 286)، فالمسؤولية أمانة شرعية سواء أكانت دائرتها صغيرة محدودة أو شاملة لقطّاع واسع من الناس أو المجتمع كلّه، وهذا ما يستدعي من الفرد أن يتنحّى عن كلّ مسؤولية لا يستطيع أداء حقّها، لأنّ المسؤولية تكليف لا تشريف، فالله سبحانه سوف يُحاسب كلّ مَن تصدّى لتحمّل مسؤولية اجتماعية أو تعرّض لموقع قيادي أو رئاسي في جهة رسمية أو شعبية، ثمّ لم يستطع أن يعطي المسؤولية حقّها (لتقصير منه أو قصور أو طمع في زينة الدنيا ومواقعها)، وقد حذّرنا الله مسبقاً بقوله: (إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) (النِّساء/ 86).

(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) (محمّد/ 22).

وبشكل عام، فإنّ كل مسؤولية (دينية أو اجتماعية) لا يستطيع المؤمن أداء حقّها، فإنّ عليه أن يتركها لأهلها من ذوي العلم والخبرة والمعرفة والإخلاص، بغضّ النظر عن انتمائهم الحزبي أو العشائري أو العرقي، فالمطلوب هو الأهلية لحمل المسؤولية والقدرة على تنفيذ مقاصدها وأهدافها الدينية أو الدنيوية بكفاءة وجدارة، بالإضافة إلى شرط الإخلاص والنيّة الخيِّرة عند المتصدّين لتلك المسؤوليات.

أمّا مجرّد كون الإنسان متديناً أو ذا نيّة حسنة، فإنّ ذلك لا يكفي في تحمل المسؤولية ما لم يكن المتصدي أهلاً لها، فلا يعقل لمن أراد أن يبني بيتاً محكماً أن يلجأ إلى عامل بناء بسيط لمجرد أنّه متدين ومخلص في عمله، ولا يكفي لمن أراد أن يعالج مريضاً مرضه وخيم ويحتاج إلى طبيب متخصص أن يلجأ إلى ممرضٍ صحّي لأنه طيِّب النيّة ويعرف بعض الأمور الطبية، ولا يكفي لمن أراد فهم الدِّين وعقائده وأحكامه وعلومه القرآنية والحديثية والعلمية أن يذهب إلى معممٍ بسيط ليس له إلّا معرفة سطحية بالأحكام الشرعية الجزئية أو خطيب منبريّ لا يُحسن شيئاً غير النعي وقراءة المقاتل، وإنّما يجب الرجوب لأهل العلم والفقاهة والدراية والمتخصصين في شؤون الدِّين والدنيا، فهذه هي الأُصول العلمية العامّة التي يتبعها الناس العقلاء في حياتهم الاجتماعية.

كما أنّه ينبغي للمؤمن من جهة أخرى أن يسارع إلى كلّ قول أو عمل أو موقف يُقرِّبه من الله عزّوجلّ، حينما يكون قادراً عليه، بشرط أن تكون هذه القدرة عن بيِّنة وعلم، وليس عن وهمٍ أو تصوُّر خاطئ، فإنّ ترك المسؤولية والفرصة هو مدعاة لضياع رصيد أُخروي يرفع من درجة المؤمن ومنزلته عند الله، وقد يعني كذلك الانسياق وراء الهوى ومشاغل الدنيا والاتباع لكيد الشيطان ومكره في التثبيط والقعود عن العمل الصالح والمساهمة فيه.

وبشكل عام، فإنّ الدعوة للمبادرة إلى الخيرات وهجر المعاصي والمكروهات ينبغي أن يكون منهجاً عاماً لأهل الإيمان في شهر رمضان وفي غيره من الشهور والأيّام، فإنّ الواجبات تحتاج إلى مقدمات لتمكّن المؤمن من أدائها والتصاعد في درجاتها وهي ما تعرف بالمُستحبات، وكذلك المحرّمات تحتاج إلى سورٍ وحواجز صلبة لكي لا يصل الإنسان إليها ويقع في آثامها وعقوباتها الدنيوية والأخروية وهي ما تعرف بالمكروهات.

عن أمير المؤمنين (ع)، قال: «إذا اتّقيتَ المُحرَّمات تَورَّعتَ عن الشُّبُهاتِ وأدَّيتَ المفروضاتِ وتَنفَّلتَ بالنوافِلِ فقد أكمَلتَ في الدِّينِ الفَضائل».

فاجتناب المحرّمات وأداء الواجبات وترك المكروهات والشُّبهات والمسارعة للمُستحبات من الصلاة والأعمال الصالحة يكون المؤمن قد نال الدرجات العلى من الالتزام بالدِّين وتعاليمه.

وعن الإمام الصادق (ع)، قال: «إنّما الأُمور ثلاثةٌ: أمرٌ بَيِّنٌ رُشدُهُ فَيُتَّبَعُ، وأمرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَيُجتَنَبُ، وأمرٌ مُشكِلٌ يُرَدُّ عِلمُهُ إلى اللهِ وإلى رسولهِ. قال رسول الله (ص): حَلالٌ بَيِّنٌ، وحَرامٌ بَيِّنٌ، وشُبُهاتٌ بَينَ ذلك، فَمَن تَرَكَ الشُّبُهاتِ نَجا مِنَ المُحرَّماتِ، ومَن أخَذَ بالشُّبُهاتِ ارتكَبَ المُحَرَّماتِ وهَلَكَ مِن حيثُ لا يَعلَمُ».

فليكن هذا المقياس الذي رفعه الإمام في شهر رمضان «ولا نَتَعاطى إلّا الذي يَقي من عِقابِكَ» هو الشعار في الأعمال والمواقف في جميع الشهور والأيّام ليكون حرزاً وضمانة لقبول الأعمال والتوفيق للصالحات بلطف الله وفضله. (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) (الطلاق/ 5).►

 

ارسال التعليق

Top