• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الدين في غايته المطلوبة

صادق عباس

الدين في غايته المطلوبة
 تقول الفلسفة البراغماتية: انّ قيمة كل فكرة تكمن في النتيجة المترتبة عليها، فإذا كانت ذات نفع فهو وإلا كانت الفكرة بدون أهمية ولا قيمة لها. على تخوم هذا المعنى تأتي النظرية الإسلامية لتقول انّه يجب أن يكون لأي فكرة أو مفهوم نفع وإلا فلا حاجة لها، وهذا الفهم قريب من النظرية النفعية أو البراغماتية، وقد تجلّى ذلك في قوله تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ) (الرعد/ 17)، وكذا حين مرّ الرسول (ص) بقوم يشتغلون بالانساب فقال لهم انّ هذا العلم لا ينفع من تعلّمه، وكأنّه (ص) أراد حثّهم على أن يكون متداولهم ما له فائدة تعُّم المجتمع وتفيده. من هنا علينا أن نرتقب في أعمالنا الغاية وفي أقوالنا الهدف وفي عباداتنا المقصد، فهل انّ العبادة التي نقوم بها هي ما يريدها الله؟ وهل انّ الصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها من الأعمال التي نرجو بها الزُلفى والقُرب من الله هي ما نقوم به؟ من المعروف عند علماء الفقه والأصول القاعدة التي تقول "لكم حُكم ملاك"، وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع): "لا خيرَ في عبادة ليس فيها تفقّه"، فالتفقّه في أي عبادة يكون بمعرفة أحكامها، كما يكون بمعرفة مقاصدها والا كانت شكلاً بدون مضمون وعملاً من دون روح، والفقهاء يجمعون انّ العبادات ليست هدفاً بل وسيلة لغاية أسمى. لذا يجب علينا معرفة الغايات التي توخّاها الله من الواجبات، فحين يوجب المولى الصلاة يشير إلينا بهدف من أهدافها حيث يقول (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت/ 45)، فهل نستفيد من ذلك أم نجعل صلاتنا قياماً وقعوداً ولقلقة لسان ليس إلا! فكم من مُصل ليس له من صلاته إلا الجهد والتعب، فحين يُصلّي احدنا تفتح له الأسواق: سوق أعمال يريد انجازها أو طعام يحتاج إليه وأسواق وأسواق... تُقفل حين ينتهي من الصلاة، فهل أدّى حقيقة العبادة؟ هل حقق ما يريده المعبود؟ هل استطاع أن يُوطّن نفسه على ترك المعاصي والفحشاء والمنكر؟ بالطبع لم يحقّق هذه الغاية، فيكون مصداقاً لحديث الرسول (ص): "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلّا بُعدا". وحين يُريد أن يصوم فإن ما يُمسك عليه ليس إلا الأكل والشرب وبعض المفطّرات المحسوسة دون أن يفطن أن وراء هذا الغرض أهدافاً مطلوبة، حيث يقول الرسول (ص): "تذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه"، وأنّه ليس صوم عن المحسوسات المذكورة فقط بل أعمّ وأهمّ من ذلك حيث تقول السيدة الزهراء (ع): "ما يفعل الصائم بصيامه إذا لم يصُن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه". وإذا عرف المسلمون ذلك أعادوا للإسلام بريقه المفقود وجوهره الضائع، لأنهم وقعوا تحت وطأة أمراض التسطيح والإلتواء والهامشية والتخلّف، والسبب الأساس في ذلك، البُعد عن حقيقة التكاليف وأهدافها وجوهر العبادات ومقاصدها التي أصبحت مجرّد طقوس شكلية لا روح لها، ولا معنى لها، تنأى بهم عن ركب الرُّقي الحضاري الواعد.

ارسال التعليق

Top