• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السيد الهاشمي نموذج العلماء الواعين

عمار كاظم

السيد الهاشمي نموذج العلماء الواعين

أرسل الله تعالى الرسل والأنبياء عليهم السلام هداة ومصلحين لانقاذ البشرية، وحل مشاكلها الاجتماعية، وخلافاتها الفكرية، ودعوتها الى توحيد الله وعبادته. تبليغ الرسالة الالهية من أهم الواجبات وأقدسها على هذه الأرض، وكما أن مهمة التبليغ الى الاسلام هي مهمة الرسول صلى الله عليه وآله ابتدأ، فان الرسالة الاسلامية جعلتها مهمة كل مسلم آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وآله واتبع هداه وخطاه فيما بعد جزءاً من التكليف، وليست مسؤولية النبي وحده. يضع القرآن الكريم أمام الانسان المسلم مسؤولية الدعوة الى الاسلام بالمال والنفس والكلمة ويحث القرآن الكريم على نفر طائفة من المؤمنين وأن تكون هناك أمة تدعو الى الاسلام وتعرف به ومخاطبة الجماعة بأن تجاهد بأموالها وأنفسها «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ اِذَا رَجَعُواْ اِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونْ» (التوبة: 122).

ثمة أحاديث كثيرة تحثّ على لزوم العالم والأخذ منه ونبذ الجاهل، منها ما رُوي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّ الحواريّين قالوا لعيسى بن مريم (عليه السلام): من نجالس؟ قال: «من يذكّركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه».

لابدّ لكلّ عالم ولكلّ مفكّر من أن يتحمّل مسؤوليّة الأجيال التي تأتي من بعده، ليترك لها علمه لتستفيد منه، كما يهتمّ بمستقبل الجيل الذي يعيش معه، وتلك هي مسؤوليّة العلم،: «اذا ظهرت البدع في أمتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله»، هذا هو حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فانّ علم العالم يخصّ الاسلام في مواجهة كلّ التحدّيات التي تواجهه، انّه يخصّ الناس الذين يطلبون الهدى، وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين الامام عليّ (عليه السلام) وعن الامام جعفر الصّادق (عليه السلام) فيما رواه عنه: «ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلَّموا حتى أخذ على العلماء أن يعلِّموا»، لذلك، لا يمكن أن يكون العالم حياديّاً أمام الجهل، ولا يمكن أن يكون انعزاليّاً عن المجتمع اذا كان يعيش مسؤوليّة العلم. الامام الصّادق (عليه السلام) كان علماً كلّه، وكان روحاً كلّه، وكان الانسان الذي عاش مع الله كأعمق وأرحب ما يعيشه انسان مع ربّه، وكان يعيش مع الناس من موقع مسؤوليّة عن الناس، كان يريد للناس كلّهم أن يتفقّهوا في الدين، لأنهم اذا تفقّهوا في الدين استطاعوا أن يميّزوا بين الحق والباطل.

قبل أيام رحل العالم الجليل السيد محمود الهاشمي قدس سره المرجع الديني الذي نال درجة الاجتهاد في حوزة النجف من قبل استاذه المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر وبدأ بتدريس البحث الخارج في الفقه والأصول وهذا العالم الراحل كان من نوادر الحوزات العلمية، كَبُرَ في اُسرة عظيمة وفاضلة قدّمَت الشهداء حيث بلغ قمم الفقاهة والفضيلة تتلمذ على يد السيد الامام الخميني والمرجع الديني السيد ابوالقاسم الخوئي والسيد الشهيد الصدر لقد نَبَغَ الراحل الكبير منذ وقت مبكّر في تحصيله العلمي وكان محط اهتمام أساتذته العظام خصوصاً السيد الشهيد الصدر الاول (قدس الله سره) وكان من أنبغ تلامذته وقد أثمرت تلك الجهود المضنية مؤلفات جليلة في الفقه والأصول واهتمامه في تدوين المعاجم والموسوعات الفقهية والقانونية.

وكانت له المكانة الراسخة والدور الكبير في الحركة الاسلامية والفكر والفقه الاسلامي، ويعتبر من دعاة الوحدة الاسلامية، والعاملين على تقديم الصورة المشرقة للاسلام في خط أهل البيت عليهم السلام ويعتبر من العلماء والأعلام الذين أغنوا الحركة الاسلامية والمكتبة الاسلامية بكتبهم وحركتهم وقدم التضحيات ولاقى الظلامات من النظام الجائر.

وقد قال فيه المرجع الديني الشيخ أسحق الفياض حفظه الله، (عرفنا الفقيد السعيد شخصيته مثالية في العلم حيث بذل عمره الشريف في الدرس والتدريس في الحوزات العلمية وبلغ المراتب العالية في الفقه والأصول وكان لا يألو جهدا في التدريس وخدمة طلاب العلوم الدينية والترويج لمذهب أهل البيت عليهم السلام حتى وافاه الأجل مؤمنا ورعا والتحق بالرفيق الأعلى فهنيئا له لما قدم خالصة لوجه الله تعالى).

وقد بين سماحة الشيخ حسين المصطفى بكلمات موجزة الجانب الأخلاقي والسلوكي في حياة السيد الشاهرودي بقوله:

كان رحمه الله مع كثرة مشاغله وتنوعه لا يقاطع من يحاوره، وكان يقول: «تعلم كيف تستمع كما تتعلم كيف تتكلم».

كان يتوجه الينا بكله، فلا يعبث بشيء أثناء حديث الشخص معه، ولا يلتفت برأسه أو بعينه لغير حاجة ملحة، ويعتذر لك عن ذلك.

رأيته في عموم محاوراته ولقاءاته يبدأ بنقاط الاتفاق في أول حديثه، وهذا من دواعي التوافق والألفة بينه وبين محاوره، ولهذا رأيته يهتم بدواعي الاتفاق والاختلاف بينه وبين الآخر. فمهما اختلفت معه تخرج من حوارك وكأنه متفق معك.

كثيراً ما تراه مبتسماً، فتجذبك ابتسامته العذبة وهدؤه وطرافة كلامه، ما يخفف عنك ثقل الحوار كان رحمه الله لا يستأثر بالحديث لنفسه، وسمعته يقول: «كلما كان حديثك أطول كنت معرضاً للخطأ أكثر».

نسأل المولى تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه الفسيح من جنته، ويلهم ذريته وأهله الصبر، إنا لله وإنا اليه راجعون.

ارسال التعليق

Top