• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السّنة الجديدة.. محطّة للتأمّل والتفكير

عمار كاظم

السّنة الجديدة.. محطّة للتأمّل والتفكير

إن معنى أن تمضي سنةٌ من عمرنا، هو أن جزءاً من هذا العمر عشنا مسؤوليته ونتحمّل مسؤوليته، لأن الله تعالى سوف يحاسبنا على كلِّ ما أسلفناه في هذه السنة، ولأنّ ما عملناه في تلك السنة سوف ينعكس سلباً أو إيجاباً على المستقبل الذي يُصنع في الماضي والحاضر، ولذلك لابدّ لنا أن نجلس للتأمل بما سلف من أعمالنا، وهل نستطيع التخفّف من سلبياتها والتكثير من إيجابياتها؟ وعندما تبدأ سنة جديدة، ما هي مخططاتك لهذه السنة، ما هي مخططاتك بين يدي الله، ومخطّطاتك لرعاية عائلتك، وللانفتاح على حياتك الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. إن مسألة ذهاب سنة ومجيء سنة يمثل قراراً من أخطر القرارات، لأنّها جزء من عمرنا، ولذلك لا ينبغي لنا أن ندخل الزمن من دون وعي وتأمل وتفكير، وأن نخرج من الزمن من دون حساب.

لنحتفل بسنتنا الجديدة، ولا مشكلة عندنا في أن تكون السنة ميلادية أو هجرية، لأننا نؤمن بالسيد المسيح (عليه السلام): (لا نفرِّق بين أحد من رسله)، ولننطلق من أجل أن نتفكّر، لأن «تفكّر ساعة خير من عبادة سنة».

لابدّ أن تكون نهايات السنين كنهايات الشهور وكنهايات الليالي والأيام فرصة للفكر وفرصة للحساب، لأنّ مشكلتنا أنّنا قد نعرف كلّ الناس من حولنا ولكننا نجهل شيئاً أساسياً إنّنا نجهل أنفسنا، فلو سألك أي سائل عن صديقك أو قريبك فإنّك تقضي اليوم في الحديث عنه ولا تنتهي، ولكنه لو سألك إنسان نبذة عن نفسك؟ ما هي أفكارك؟ ما هو خط عاطفتك؟ ما هي خطوط انتمائك؟ ما هي أسس علاقتك؟ ما هي نظرتك لمستقبلك؟ هل تملك أن تجيب؟

 

ما هي حساباتك للغد؟

أن تدرس جيداً حساباتك التي قدمتها في كتابك عندما يقدم إليك الكتاب (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) (الإسراء/ 14).

فلابدّ لنا، فيما يريد الله لنا أن نتحرك، أن نقدم للغد شيئاً، قد تكون الكلمة واردة فيما قدّمت لنفسك (وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) (البقرة/ 110). ولكنك كنت شخصاً تعيش مع الآخرين، ومندمجاً مع الآخرين فأنت لم تعش وحدك بل أنت جزء من عائلة، جزء من محلّة، جزء من مجتمع، جزء من أُمّة، ولذلك ماذا قدمت لغدٍ في مسؤوليتك عن نفسك؟ وماذا قدمت لغدٍ في مسؤوليتك عن عائلتك؟ وماذا قدمت لغدٍ في مسؤوليتك عن مجتمعك؟ وفي مسؤوليتك عن أُمّتك؟ وفي مسؤوليتك عن أية قضية تملك مسؤولية التحرك فيها. "واتقوا الله" بعدما تعرفون ماذا أنتم فيه (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، اتقوا الله وحاسبوا أنفسكم فيما قدمتموه، واتقوا الله ثانياً بعد أن تعرفوا ما قدمتموه، اتقوا الله لتعرفوا ماذا تقدمون (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر/ 19).

ماذا يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عمّا نعتبره "عطلة الجمعة" (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة/ 9-10). فلا يوجد لدينا في الإسلام شيء اسمه "عطلة" نعم، لدينا ساعة يخلّي فيها الإنسان بين نفسه وبين لذاته في غير محرّم. إنّ النظرة الإسلامية إذن هي أنّه لا مجال للعطلة فأنت تعطل في يوم الجمعة. وفي أثناء صلاة الجمعة. (وذروا البيع) والعمل وقت الصلاة يتوقف، فإذا انتهت الصلاة فلا تقم في المسجد بل انطلق إلى عملك، لأنّ الأُمّة تحتاج إلى إنتاجك، وكلّ يوم تعطل فيه تخسر شيئاً من إنتاجك، هذه النظرة الإسلامية تدلل على أنّ الإسلام يحترم الزمن، حتى ساعات الفراغ فهي ليست بساعات ضائعة، بل لابدّ أن تملأها وأنت تلهو باللهو الذي ينتج، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): «فإن قدّرت لنا فراغاً من شغل فاجعله فراغ سلامة، لا تدركنا فيه تبعة، ولا تلحقنا فيه سآمة»، بحيث أنّك تستطيع أن تخرج من الملل ولكنّك تمارس فراغك بما لا يبتعد بك عن مسؤوليتك.

وتأسيساً على ذلك، فإنّ علينا أن نستقبل الزمن بالتخطيط كما استقبله الإمام زين العابدين (علیه السلام) في دعاء الصباح والمساء. إنّه دعاء يمكنك أن تدعو به في اليوم وفي بدايات الأيام والأسابيع والشهور والسنين فمثلما تقول: «اللّهمّ وهذا يوم حادث جديد» قل «اللّهمّ وهذا أسبوع حادث جديد» و«هذا عام حادث جديد» لأنّه لا فرق في بدايات الزمن بين اليوم والأسبوع والشهر، فإنّك تشعر بأنّ الزمن يسألُ عنّا «وهو علينا شاهد عتيد» فهو حاضر وهو يختزن أعمالنا فإن أحسنّا وعملنا صالحاً فيه ودّعنا بحمد وبكلّ احترام وبكلّ إكرام، وإن أسأنا فارقنا مديراً ظهره وكلّه ذم «اللّهمّ فارزقنا حسن مصاحبته واعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريرة أو اقتراف صغيرة أو كبيرة وأجزل لنا فيه من الحسنات وأخلنا فيه من السيئات واملأ لنا ما بين طرفيه حمداً وشكراً وذخراً وفضلاً وإحساساً... إلخ» إنّ هذا الدعاء يخطط لك من خلال الأربعة عشر نقطة لكي تجعل يومك يوماً إسلامياً وأسبوعك أسبوعاً إسلامياً وشهرك شهراً إسلامياً وعامك عاماً إسلامياً «اللّهمّ ووفقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه لاستعمال الخير وهجران الشر وشكر النعم واتّباع السُنن ومجانبة البدع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحياطة الإسلام وانتقاص الباطل وإذلاله ونصرة الحقّ وإعزازه وإرشاد الضّال ومعاونة الضعيف وإدراك اللّهيف».

بهذا نستقبل السنة الجديدة، وبهذا نودع السنة القديمة، بالوعي لمسؤولياتنا الفردية والاجتماعية وبالوعي لمسؤوليتنا عن الحاضر والمستقبل، وبالوعي لمسؤوليتنا أمام الله في ذلك كلّه.

ارسال التعليق

Top