• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الشباب وبحبوحة النجاح

الشباب وبحبوحة النجاح

◄لماذا الشباب؟ أو لماذا يقترن غالباً الحديث عن النجاح بالشباب؟ أليس النجاح أُفقاً واسعاً يشمل الشباب وغيرهم؟ بلى، هذا صحيح، وأنّ أكثر من سبب يجعل هذا الاقتران صحيحاً. فالشباب هم مصدر الطاقة والقوّة ومحور الحركة والنشاط، والرهان الحقيقي، إذ يتميز عالم اليوم بالشباب في كلّ المجالات، ليس في التعليم فحسب، بل في مراكز صنع القرار، وإدارة أكبر الشركات وأكثرها تأثيراً في عقول الناس وحياتهم، وفي إدارة الإعلام وصنع الرأي والمزاج العام. وإذا كان لدى بعضنا هاجس سلبي من الشباب وأنّهم الهدف لأي عدو خارجي، فهم وإن كانوا قد يكونون كذلك، فهم في وجه آخر للعملة نفسها يشكّلون الضمان الداخلي وصمام أمان لمجتمعاتهم. وإنّ أي ارتياب من دور الشباب أو تهميش لوجودهم، أو العمل على إلهاء عقولهم وتبديد جهودهم، ما هو إلّا تأجيل فاشل لقوّتهم الفاعلة. ومن هنا كانت المجتمعات الراشدة تستثمر شبابها وتعزز ثقتهم وتعتز بقدراتهم.

وقد أثبت شبابنا جدارتهم وتخطوا عقبات التثبيط والتشكيك، وأثبتوا وعيهم الحاضر واستشرافهم المستقبلي، ولايزال يتأكد لديّ أنّ الشباب (بنين وبنات) هم مركز القوّة المتناغمة بين بوصلة المبادئ والقيم، وبين منجزات العصر ومخرجاته.

وأمّا لماذا النجاح؟ فلأنّ النجاح أحد الخيارين (النجاح أو الفشل) ولست أفهم النجاح إلّا حركة نسبية لرحلة من الحياة الكبيرة، وليس كما تريد أن تقدمه بعض الكتب والبرامج والدورات من أنّه الصواب الذي لا خطأ فيه والحقّ الذي لا باطل معه، إنّه فعل بسيط يتمثل في ذكاء وزكاء يقِظ يدرك خير الخيرين ويتقي شرّ الشرين. في بحث عن الحقيقة وطلب الحكمة، كلّ يعمل من مكانه ومكانته، في تعاون بنّاء، تتكامل فيه التنمية وتتناغم فيه الحياة ويتطور فيه البشر. ينطلق النجاح من عمق الروح وينسجم في مستويات الإنسان الثلاثة (النفسي والعقلي والجسدي) واليوم يتأكد هذا الوعي بمركز النجاح ومستوياته في عالم يموج بمادياته ومخرجاتها من الحروب والنزاعات، والأمراض والأوبئة، والأحداث والمتغيرات، والتطورات والاكتشافات. وهو ما يحتم روح التعاون والانسجام والوعي المتجدد.

وبهذا يصبح النجاح منظومة قيم أخلاقية، وجدارة مهارية. يدعم بعضه بعضاً، في حالتيه الفردية والجمعية. إنّ هذا العالم الجديد هو عصرنا الذي نحن قدره وهو قدرنا، ومجتمعه العالمي ونتاجه، وحاضره وامتداده. إنّه العالم القوّي والسريع في كلّ شيء. وإنّ لكلّ عصر روحه ولكلّ عصر شروره، وكما يقول فولتير: «مَن لم تكن له روح العصر كانت له شروره»، فالاكتفاء أو الارتماء ليست ثنائية صالحة لطبيعة الحياة عموماً، ولاسيما في هذا العصر الذي يفرض طبيعته ويصنع أفراده. إنّ طبيعة عصرنا طبيعة كونية، فكوكب الأرض قد أصبح مدينة واحدة. وأحداث العالم وصوره اكتنفتها أجهزة التقنية في كف اليد. هذا العالم الجديد بانفتاحه وتواصله المعلوماتي الكبير لم يعد يشكل خطراً على المرابطين في حدوده، الرافضين لمعطياته وحتمياته، فهم «يهلكون أنفسهم»، ولكنه يشكّل خطراً في المجتمع كلّه، حين تتم الممانعة ضد معطيات التقنية وتفاعلاتها، التي تفرض شكلاً آخر للوجود. إنّ هذا العالم الجديد يوجه خطره أيضاً للعاملين الفاعلين فيه. ليس خطراً أخلاقياً؛ لأنّنا نفهم أنّ الأخلاق والمبادئ مشروع داخلي للإنسان (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا) (الأنفال/ 70)، لكن الخطر في التحدي الذي ينتجه هذا العالم بالكم الهائل والمتجدد والمتزايد من المعلومات، وهو ما يجعل إنسان العصر، وهم الشباب، أمام حزمة من القرارات الحياتية الراهنة باستمرار، أمام المسؤولية الذاتية في كلّ أبعادها.

إنّ أمامنا - في ما أرى - مشروعاً رباعي التكوين أوّله وأساسه «الوعي الروحي» والذي غيبه العقل المادّي كثيراً، ولكننا - ولله الحمد - نحتفي بعودة عالمية إلى هذا الأساس وثاني هذه الرباعية «التفكير العلمي» وليس المقصود به إلّا الخروج من حال الخرافة والسذاجة إلى نوع من التفكير يسمح بانبثاق أسئلة ذكية تساعد في إنتاج أسئلة أكثر قوة، فلربما يكشف عن أجوبة تعطي المعنى. وثالثها «الاتساع الحياتي» بالنظرة الإيجابية للحياة باعتبارها هدية إلهية يمكن استثمارها كرسالة بمفهوم فن الحياة، أما رابع التكوين فهو «الإنجاز على نحو مختلف» إنجاز يتجاوز تكرار الذات إلى اقتحام آفاق ما سُمي «المجهول والممتنع واللامعقول» فهذه مناجم الإبداع وحقول الزرع. ومَن زرع حصد. ►

ارسال التعليق

Top