• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الشباب وصراعه في الحياة

د. مثنى اليساري

الشباب وصراعه في الحياة

◄تعدّ مشكلة الشباب من إحدى القضايا المهمّة والأساسية باعتبار الشباب يُشكِّلون الطاقة البشرية والحيوية القادرة على القيام بالعمليات النهضوية والتنموية انطلاقاً من: (التعليم والتربية والثقافة والإعلام والقيم الدينية والاجتماعية) بمشكلات الشباب.

ويتطلب منّا دراسة أوضاع الشباب والوقف عند همومه وطموحاته باعتبار الشباب هم الرصيد الإستراتيجي وهم الثروة الحقيقية، لذلك فالحديث عنهم حديث عن المستقبل والتحدّيات المقبلة.

 

-          هموم الشباب:

إنّ واقع الشباب يعاني من جملة أزمات، فقد أدّت المُتغيِّرات الاجتماعية في العصر الحديث إلى خلل في الأُسرة، بعد أن غزت الثقافات الوافدة من خارج الإسلام إلى أبناء الإسلام فأدّت إلى بعض التصدُّعات داخل الأسرة، الأمر الذي غيَّر من شكل العلاقات الأُسرية والاجتماعية، إذ اهتزت بعض القيم والمبادئ لدى الشباب وظهرت هموم ومشكلات، نبرز من أهمّها ما يلي:

 

1- الفراغ التربوي:

أصبحت العلاقات بين الأُسرة الواحدة مثل العلاقات بين سكّان الفنادق وعليه يتحدَّد المستوى الاجتماعي رقياً وضعفاً، مشيراً إلى أنّ العلاقة بين الأُسر وأعضائها أصبحت علاقة جوار وقتي لدى النوم، وأحياناً لدى الطعام، فمثلاً توجد علاقة تربط الأبناء بالآباء والأزواج بالزوجات كما رسمها الدين الإسلامي، فقد نقلنا عن الغرب كلّ ما يُهدِّد الأسرة المسلمة، والشباب هم أكثر فئات المجتمع تأثيراً في الفراغ التربوي مما ظهر في بناهم النفسية والعقلية وتوجُّهاتهم الثقافية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والقومية، ولعلّ من مظاهر الفراغ التربوي لدى الشباب.

 

2- البطالة:

يرتبط مفهوم البطالة بوصف حالة العاطلين عن العمل وهم قادرون عليه ويبحثون عنه، إلّا أنهم لا يجدونه.. ويعدُ مفهوم البطالة من المفاهيم التي أخذت أهميّة كبرى في المجتمعات المعاصرة من البحث والتحليل، لذا استحوذ موضوع البطالة بشكل رئيسي على عناية أصحاب القرارات السياسية، وكذلك على اهتمام الباحثين الاجتماعيين أو الاقتصاديين، بوصفه موضوعاً يفرض نفسه بشكل دائم ومُلح على الساحة الدولية، لهذا لا تكاد تصدر دورة علمية متخصصة ذات علاقة بعلم الاقتصاد والاجتماع والجريمة إلّا وتتعرّض لموضوع البطالة.

 

-          أثر البطالة في الشباب والمجتمع:

1- الجانب النفسي:

تؤدّي حالة البطالة عند الشباب إلى التعرُّض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي، فضلاً عن أنّ كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية، فمثلاً يتسم كثير من العاطلين بعدم السعادة وعدم الرِّضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة، مما يؤدي إلى اعتلال في الصحّة النفسية لديهم، كما أنّهم يتعرّضون لضغوط نفسية أكثر من غيرهم، بسبب معاناتهم من الضائقة المالية الناجمة عن البطالة.

 

2- الجانب الأمني:

تشير الدراسات إلى أنّ هناك علاقة بين البطالة والجريمة، فكلّما زادت نسبة البطالة ارتفعت نسبة الجريمة، ومن أهم ما ورد في تلك الدراسات:

أ) تعد جريمة السرقة من أبرز الجرائم المرتبطة بالبطالة.

ب) كلما ازدادت نسبة البطالة، ازدادت جرائم القتل، والاغتصاب، والسطو، والإيذاء، إذ أكّدت دراسة أمريكية أنّ ارتفاع البطالة بنسبة 1% تؤدّي إلى ارتفاع جرائم القتل بنسبة 7ر6%، وجرائم العُنف بنسبة 4ر3%.

 

3- الجانب الاقتصادي:

الإنسان هو المورد الاقتصادي الأوّل، وبالتالي فإنّ أي تقدُّم اقتصادي يعتمد أو ما يعتمد على الإنسان بإعداده علمياً حتى يتحقّق دوره في الإسهام في نهضة المجتمع، وتضعف البطالة من قيمة الفرد كمورد اقتصادي وتعمل على إهداء الطاقات البشرية.

 

-          البطالة المقنعة:

إنّ أبشع أنواع البطالة وأكثرها حدّة في الدول المُتخلِّفة، وتعرف بأنّها مقدار قوّة العمل التي لا تعمل بشكل فعلي في النشاط المنتج، ويمكن أن نرى من ضمن إطار البطالة المقنعة ثلاثة نماذج مختلفة، وهي:

1- شباب دخلوا مجالات عملهم غير راغبين به، بل مجبرين وذلك بسبب ضيق مساحة الاختيار أمامهم، خصوصاً في ظل سياسة معدلات القبول الجامعي من جهة، والنظرة الاجتماعية المغالطة لبعض الاختصاصات من جهة ثانية، ويمكن أن تعدّ المُعلِّمون كمثالاً على ذلك.

2- شباب أُجبروا على القيام بأعمال ليست من اختصاصهم، لعدم وجود حاجة لاختصاصهم، مثل خرِّيجي كُلِّية التربية، وهم يمارسون أعمال مالية أو حسابية.

3- شباب دخلوا ميدان أعمال تتوافق مع اختصاصاتهم؛ لكنّهم لا يقومون بأعمالهم على أكمل وجه والسبب هو الفراغ التربوي الذي يعيش في ظلّه الشباب، وهو أخطر الأنواع وأكثرها انتشاراً في القطاعات الإنتاجية العامّة.

فإذا كانت البطالة المقنعة هي السبب الرئيس في تدني الإنتاجية، فهي أيضاً تستنزف قسماً كبيراً من الموارد المالية من دون أن تنتج، إذ تحوّل العمل ليس كمقابل للأجر المقبوض؛ لكنّها وسيلة سهلة له، مما يساعد بشكل خطير على تراكم الموظفين العاملين والمقنعين لدى الدوائر الحكومية.

 

3- المشاكل الزوجية:

مشاكل قبل الزواج: تتعدَّد المشكلات التي يحتمل حدوثها قبل الزواج، ومن أهمّها ما يلي:

 

-          مشكلة اختيار الزوج:

قد تحدث مشكلة اختيار الزوج عن طريق الصدفة التي قد تخطئ وقد تحدث نتيجة للحبّ من أوّل نظرة، وقد تحدث كاستجابة لأوّل قادم نتيجة تأخُّر الزواج، وكثيراً ممّن فشل في زواجه يعزي أهم أسباب الفشل بعد إرادة الله إلى عملية الاختيار في الأساس والتي لم تكن تلقى أهميّة أو أولوية بمسألة الدين والخلق، بل كثير من الخاطبين يشترط الجمال أو النسب أو المال أو الوظيفة كما يحصل في الوقت الحالي، ربما على حساب الدين والخلق، وما أن يتحقق له المطلوب حتى يدرك خطأه الفادح، وربما دخل في دوامة من المشاكل النفسية والاجتماعية والصراع النفسي.

 

-          تأخُّر الزواج:

قد يحدث تأخُّر الزواج بالنسبة للإناث وتأخُّره بالنسبة للذكور، فبالنسبة للإناث يكون خارج عن يد الفتاة التي قد يطول انتظارها لمن يتقدّم لخطبتها، وقد يفوتها قطار الزواج، وتظل تعاني من خلق وخوف البوار وعدم الاستقرار في المستقبل.

أمّا بالنسبة للذكور، فتكون الأسباب مختلفة: مثل وجود بعض الظروف الأُسرية أو الاقتصادية، وقد تُسبِّب مشكلة العنوسة مشكلات فرعية، مثل: الغيرة وفقدان الثقة في النفس نتيجة زواج الأخت الصغرى قبل الكبرى.

 

-          الصراع بين الأجيال:

الحقيقة أنّ القاعدة العريضة من الشباب تشعر بوجود فاصل زمني ومساحة في التفكير المختلف بينها وبين الجيل أو الأجيال التي تسبقها حين القمة في الأجيال السباقة تسطح النظر إلى أفكار الشباب تمنحهم قطرات من الخبرة مع كثير من المنّ، ولا يترك هؤلاء مقاعدهم لنمح الفرص للشباب لإثبات وجودهم وتحقيق مستجدات نظرياتهم وأفكارهم التي هي في الغالب أكثر مواءمة وملائمة لمتغيرات العصر.►

 

المصدر: مجلة البصيرة/ العدد 66 لسنة 2017م

ارسال التعليق

Top