• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصبر والإيمان

الصبر والإيمان

◄قال تعالى على لسان لقمان في عِظَته لابنه: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ﴾ (لقمان/ 17). وقال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة/ 155-156). وعن الإمام أبي عبدالله الصادق‏ (ع) أنّه قال: «الصبرُ من الإيمانِ بمنزلَةِ الرأسِ من الجسدِ، فإذا ذهبَ الرأسُ ذهبَ الجسدُ، كذلك إذا ذهبَ الصبرُ ذهبَ الإيمانُ».

مفهوم الصبر

يمكن أن يُعرَّف الصبر، بأنّه تحمّل المرارات والآلام والظروف القاسية التي تُمارَسُ وتُفرض على شخصٍ ما. وقد يُعرَّف: بأنّه مقاومة الإنسان المتكامل (السالك طريق الكمال والسعادة) للدوافع الشريرة المفسدة.

مثالٌ توضيحي: يُمكن لنا أن نشبّه الصبر بشخصٍ يريد تسلّق جبلٍ، فأثناء تسلّقه للوصول إلى القمم العالية توجد موانع ومصاعب، قسم منها يتعلّق بهذا المتسلِّق وينبع من نفسه، والقسم الآخر يرجع إلى العوامل الخارجية، فيعملان معاً على الحدِّ من حركته. أمّا ما يرجع إلى الإنسان نفسه، فهو طلب الراحة، والخوف أو اليأس من الوصول إلى الهدف، يضاف إلى ذلك الأهواء المختلفة التي تتجاذَبُه وتعمل على منعه من الاستمرار في التسلِّق والصعود، حيث تنخفض حرارة الاندفاع بسبب استمرار تلك الأفكار والوساوس.

أمّا في ما يرجع إلى العوامل الخارجية، فهناك الصخور الضخمة، والذئاب، والأشواك، وقطّاع الطُّرُق، وأمثالها، وكلّ منها يهدِّد الإنسان، ويمنعه من متابعة مسيره، ومثل هذا الشخص الذي يواجه هذه المتاعب والمصاعب، إمّا أن يقرّر عدم مواصلة السير بسبب المخاطر والآلام والمشاقّ، وإمّا أن يصبح الأمر عنده معاكساً، حيث يزداد عزمه قوّةً وثباتاً، ويقرّر أن يقاوم جميع الموانع الداخلية والخارجية، وبالاعتماد على عامل المثابرة والتحمّل، يدفع هذه الموانع من طريقه ويواصل المسير، وهذا ما نسمّيه الصبر.

منزلة الصبر من الإيمان

ومن هنا نستطيع أن نفهم معنى الحديث القائل بأنّ الصبر يمثِّل رأس الإيمان أي حياة الإيمان في نفس الإنسان.

لو عدنا إلى حقيقة الإيمان الذي يمكن أن يحمله الإنسان، لوجدناه عبارةً عن تحرّك الإنسان نحو تحقيق رضى الله سبحانه وتعالى، وذلك من خلال سلوك طريق العبودية لله تعالى.

وطريق العبودية، يُختصر بمجموعة الأحكام والتكاليف الصادرة عن الله تعالى، والتي تشمل: فعل الواجبات، وترك المحرّمات.

وفي هذه الأحكام ما هو سهل القيام به أو الامتناع عنه، ومنها ما يحتاج إلى بذل الجهد وتحمّل المشاقّ، كالجهاد في سبيل الله أو ترك بعض المحرَّمات كالغيبة، والنظر الحرام وغيرهما.

العلاقة بين الصلاة والصبر

إنّ أهمّ تكليف يحقّق الصِّلَة وشدّة الارتباط بالله تعالى هو إقامة الصلاة، وقد أمرنا الله بها، وأمرنا أن نتحمَّل ونجاهد من أجل إقامتها، لأنّها عمود الدِّين، وعليه ولكي نكون من المصلِّين، لابدّ أن نصرّ على الصلاة.

قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (طه/ 132).

وقال تعالى: ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة/ 153).

ولذلك، فإنّ الإيمان بالله تعالى لا يتحقّق ما لم يكن الصبر قائده، وما لم يتحمّل المرء ويصبر على فعل الطاعات، وترك المحرَّمات، وحينها يمكن أن يسلك في صراط العبودية لله سبحانه وتعالى.

أنواع الصبر

إنّ العوامل المانعة من تكامل الإنسان وسلوكه في صراط العبودية لله تعالى، يمكن أن نقسمها إلى ثلاثةٍ:

1- العوامل المانعة التي تؤدِّي إلى ترك الواجبات.

2- العوامل التي تدفع نحو فعل المحرَّمات وارتكاب الذنوب.

3- العوامل التي تجلب حالة عدم الاستقرار وعدم الثبات الروحي.

أمّا الصبر، فإنّه يعني المقاومة وعدم الاستسلام في مواجهة هذه العوامل الثلاثة، التي لا شكّ أنّها تقف وراء فعل المحرَّمات وارتكاب الذنوب.

وبهذا التوضيح يمكننا أن نفهم عمق الحديث الذي ينقله أمير المؤمنين‏ (ع) عن رسول الله (ص): «الصبرُ ثلاثةٌ: صبرٌ عندَ المصيبةِ وصبرٌ على الطاعةِ وصبرٌ عن المعصيةِ».

1- فالصبر على المصيبة: حينما يُبتلى الإنسان برزقه أو بموت أحد أقاربه وأحبّائه، أو المرض.

2- أمـّا الصبر على الطاعة: فالصبر على الصلاة والصوم والحجّ والجهاد وأداء الخُمس.

3- والصبر عن المعصية: كالصبر على ترك الغيبة والكذب والنظر المحرَّم.

في كلّ مورد من الموارد الثلاثة، عندما تأتي الحوادث المؤلمة، وعندما يُطلب من الإنسان القيام بتكليف، أو يقع بامتحان ارتكاب معصية ما، يأتي دور ظهور القوّة والبطولة والصلابة أمام هذه العواصف والمُغرَيات.

علامات الصابر

عن النبيّ (ص): «علامةُ الصابرِ في ثلاثٍ: أوّلها أنْ لا يَكْسَلَ، والثانيةُ أنْ لا يضجرَ، والثالثةُ أنْ لا يشكو من ربِّهِ عزّوجلّ، لأنّه إذا كَسِلَ فَقَد ضَيَّعَ الحقوقَ، وإذا ضَجِرَ لم يؤدِّ الشُّكرَ، وإذا شكا من ربِّهِ عزّوجلّ فَقَد عصاهُ».

آثار الصبر ونتائجه

النتائج القريبة: وهي التي تظهر في الدُّنيا، كما قال تعالى: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ (الأنفال/ 65). وهكذا، فانتصار الإنسان على نفسه في الصبر، هو أهمّ ما يمكن أن يحقّقه، ولذا كان سبحانه دائماً مع الصابرين كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

أمّا الآثار في الآخرة: فتتمثَّل في هذه الرواية، فعن الإمام أبي عبدالله الصادق (ع): «إذا دخلَ المؤمنُ في قبرِهِ، كانتِ الصلاةُ عن يمينِهِ والزكاةُ عن يسارِهِ، والبِرُّ مُطِلٌّ عليهِ ويَتَنَحَّى الصبرُ ناحيةً. فإذا دخلَ عليهِ الملكانِ اللذانِ يَليانِ مُساءَلَتَهُ، قالَ الصبرُ للصلاةِ والزكاةِ والبِرِّ: دونَكم صاحِبُكم، فإن عَجِزتُم عنهُ فأنا دونَهُ».►

ارسال التعليق

Top