• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصبر والسلوان والسكينة

طلال طرفة (بروفسور في جامعة مشغن)

الصبر والسلوان والسكينة

◄(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (الفتح/ 4).

يمنحنا الله السكينة، فإذا كان القلب مطمئناً فإنّ السكينة تشكل أساساً وقاعدة للسلوان، ونحن نحتاج إلى ممارسة السلوان في حياتنا اليومية، ولكن من دون الصبر تتدنى قيمته، وباقترانه بالصبر يكون له معنى وقيمة كاملين. إنّ تعزية فرد في مناسبة حزينة لن تكون فعّالة بالنسبة له إذا لم تقترن بالصبر، ذلك لأنّ ترداد جملة "أعزيكم بمصابكم في فقيدكم العزيز" لن يكون لها أي تأثير وفعالية بعد أن تطرق سمع المصاب المفجوع ثم تتبخر، ولكن مشاركة المصاب أو أهل الفقيد في ألمهم وحزنهم وتقديم العزاء لهم سيكون له تأثير ومعنى أعظم، وهذه المشاركة العاطفية تضعك في مكان المفجوع كأنك تعرضت أنت أيضاً لمصيبته وعانيت منها، وبهذه الطريقة يرتقي الصبر والسكينة والسلوان أعلى الدرجات.

هل لاحظت، في الجنائز، اجتماع عائلة الفقيد حول جثمانه واستغراقهم في الصلاة والدعاء له حتى يفقدوا الشعور بما حولهم. إنّهم في حالة صبر وسلوان يفكرون في فقيدهم ويتلون آيات القرآن الكريم، ويرددون الدعاء، وقد نشاهد آخرين يرفعون أصواتهم بالندب والعويل، ولكن ذلك لا يساعد الفقيد وإنما قد يقلل من خشوع المصلين والداعين.

وعندما يقوم الأصدقاء بزيارة عائلة الفقيد، في بيتها، لتقديم العزاء لهم، فإنّ العائلة تستقبلهم بكامل الترحاب، فيبدأ الأصدقاء بأداء واجب العزاء سائلين الله أن يتغمد روح الفقيد بمغفرته ورحمته فيرد عليهم أفراد العائلة بالشكر والدعاء بالرحمة لأمواتهم، وفي مثل هذه المناسبات فإنّهم لا يغفلون ذكر الأحياء وامتداحهم، وذلك دليل على بلوغ أعلى درجات السلوان، ونشاهد ذلك عندما يقوم أهل الفقيد بتسلية أصدقائهم وزوارهم المعزين متغلبين بذلك على فاجعتم وحزنهم، وهذا هو الصبر والسلوان المتمثلان في سيطرة المحزون على عواطفه ومشاعره، وبفضل الصبر والثبات يتبادل المشاعر والأحاسيس الطيبة مع أصدقائه، وتأخذ شكل كلمات رقيقة أو عناق أو ابتسامة.

ونجد مثالاً آخر على السلوان في الأُم التي تحتضن ابنها الرضيع، وتقدم له السلوى من خلال الحب والعطف والحنان، وعندما ترعى طفلها نجدها حزينةً باكية إذا مرض، وفرحةً مبتهجة إذا كان صحيحاً، معافى، وهكذا ترعى الأُم الطيبة ابنها بالصبر والسلوى.

وعندما يتقدم الأبوان في السن يسارع الأبناء لأداء واجباتهم ومسؤولياتهم في رعاية أبويهما والعطف عليهما، لأنّ من واجبهم رعاية الوالدين وبرهما، وعليهم أن يوفروا لهم مكاناً رحباً في بيوتهم حتى لو دام ذلك سنوات عديدة من دون أي تهاون في أداء هذا الواجب.

وذلك مطلوب أيضاً في الزواج الصحيح والناجح، ويمتحن الصبر في هذه العلاقة عندما يتحمل أحد الزوجين سورة غضب الآخر وفقدانه السيطرة على أعصابه، وهذه الدرجة الرفيعة من الصبر ضرورية حتى يستطيع الزوجان الاتصال والتفاهم بفاعلية وبالتالي يرسخون زواجهم، وسيرضى الله عن الذي يعامل زوجته المشاكسة بالصبر كما رضي عن النبيّ أيوب (ع) وهو ما أخبرنا به النبيّ محمّد (ص).►

 

المصدر: كتاب الصبر في الإسلام (رؤية تحليلية شاملة)

ارسال التعليق

Top