• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصلاة.. مدرسة الأخلاق الفاضلة

الصلاة.. مدرسة الأخلاق الفاضلة
◄تعتبر الصلاة منبعاً فياضاً للقيم والمعاني الروحية، ومدرسةً لتهذيب الأخلاق وتقويم التصرُّفات الإنسانية؛ يستمد منها المسلمُ بممارسته لها مكارمَ أخلاقِهِ ومحاسنَ تصرُّفاته. كيف لا، وهي التي قال الله تبارك وتعالى فيها: (إنّ الصلاةَ تَنهَى عنِ الفَحشَاءِ والمُنكَرِ) (العنكبوت/ 29). فكلُّ قولٍ يُقال فيها، وكلُّ عملٍ من أعمالها يُستَمدُّ منه حكمةً وفائدةً تنفعُ المرءَ في دُنياه وفي أُخراه. ونعرض هنا بعض هذه المعاني: يضعُ المُصلِّي يده اليمنى فوقَ اليدِ اليسرى إكراماً لليُمنى بأن تكون هي المحمولة. يقرأ دعاء الإستفتاح؛ يختارُ أحدَ الدعائَين التاليينِ الواردَينِ عن النبي (ص): -         "سبحانك اللهمّ وبحمدك، وتبارك اسمُكَ وتعالى جدّك، ولا إله غيرُكَ". -         "وجّهتُ وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونُسُكي ومحيايَ ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ، وأنا من المسلمين". وقولُ المصلِّي: "وجّهتُ وجهي" لا يُراد به الوجهُ الظاهر لأنّه وجَّههُ إلى القبلة، والله سبحانه وتعالى تقدَّسَ عن الجهات؛ وإنّما هو توجيهٌ للقلبِ إلى مناجاة الربِّ. فانظر إلى أين تُوجِّه قلبك..

 وإذا كان المرءُ يقولها بلسانه، ولا يُوجِّه، مع قولِها، قلبَهُ فهو كاذبٌ مُختلِقٌ. ولا ينصرف الوجه إلى الله تعالى إلا بإنصرافه عمّاه سواه. فاجتهِد في الحال أن تَصرِفَهُ إليه.

وإذا قلت: "حنيفاً مسلماً" فاحضِر في خاطرِكَ قول النبي (ص): "المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ من لسانه ويده" (رواه البخاري 13/ 1)، فإن لم تكن كذلك كنت كاذباً. فاجتهد في أن تَعزِمَ عليه لتكون ممّن سَلِمَ الناسُ من أذاه في المستقبل، وتندمَ على ما سبق منك. وإذا قلت: "وما أنا من المشركين" فاحضِر في بالِكَ الشركَ الخفيّ، فإنّ قول الله تبارك وتعالى: (فمن كان يرجوا لِقاءَ ربِّهِ فَليعمَل عملاً صالحاِ ولا يُشرِك بعبادة ربِّه أحداً) (الكهف/ 110) نزلت فيمن كان يقصدُ بعبادته وجهَ الله تعالى وحمد الناس، وكن حذراً مشفقاً من الشرك. وإذا قلت: "ومَحيايَ ومَماتي" فاعلَم أنّ هذا حالُ عبدٍ مفقودٍ لنفسه، موجودٍ لسيِّده، مُنكِرٍ لذاته، عاملٍ لربّه. وإنّه إذا صَدَرَ هذا الكلام ممَن عَمَلُهُ للدنيا وحدَها في رضاه، وغضبه، وقيامه، وقعوده وفي سائر تصرفاته؛ لم يكن هذا القول مُعبِّراً عن حاله ملائماً لوضعه، ثمّ تستعيذ بالله تعالى سرّاً بقولك: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

 وإذا قلت: "أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم" فاعلم أنّ الشيطان عدوَّك، وهو مترصِّدٌ لك لصَرفِ قلبِكَ عن الله عزّوجل حسداً لك على مناجاتك وسجود لله عزّوجل. مع أنّه لُعِنَ لتَركِهٍ سجدةً واحدة؛ فكيف يتركُكَ وقد عاداكَ لأنّك تسجدُ في كلِّ يومٍ سجدات وسجدات.

إنّ إستعاذتَكَ بالله تعالى من الشيطان إنّما تنفع إذا تَركتَ ما يحبّه اللعين، وأَبدلته بما يحبّ الربّ الرحيم، كما أنّ الإستعاذة من الحيوان المفترس لا تجدي إلا بتبديل المكان مع الإستعاذة بالقول، وكذا الإستعاذة من الشيطان لا تُغنيهِ إن اقتصرَ فيها على القول، فليعزِم المؤمن مع التعوّذ على تَركِ الشهوات. ثمّ يقرأ المُصلِّي الفاتحة سرّاً ويقول بعد الفاتحة: "آمين" سرّاً ولا يَصِل: "آمين" بقوله: (ولا الضالِّين) حتى يُفرِّق بين القرآن وغيره، ويقرأ بعد ذلك سورةً أو قَدَر ثلاثِ آيات. وإذا قلت: (بسم الله الرّحمن الرّحيم) فانوِ بها التبرُّك لإبتداءِ القراءةِ لكلام الله تعالى، وافهم أنّ الأمورَ كلّها بالله سبحانه. وإذا قلت: (الحَمدُ لله) فمعناه الشكرُ له، إذ النِّعَمُ من الله عزّوجل. ومَن يرى أنّ النعمة من غيرِ الله، أو يقصدَ غيرَ الله سبحانه بشكرٍ، ففي تسميته وتحميده نُقصان. وأمّا إن رأى من غيره نعمةً أو شَكَرَ أحداً من الخَلقِ على معنى أنّه مُسخَّرٌ من الله تعالى فلا بأس به. وإذا قلت: (الرحمن الرحيم) فاحضِر في قلبك جميع أنواع لطفه على سائر خلقه في أرضه وفي سماواته في كل لحظة من لحظات الوجود. وإذا قلت: (مالِك يوم الدِّين) فحرِّك في قلبك التعظيم والخوف من العظيم الجبار، ثمّ جدِّد الإخلاص له بقوله: (إيّاكَ نَعبُدُ). وجدِّد العجز والإحتياج إليه والتبرِّي من الحول والقوّة بقولك: (وإيّاك نستعين) وضع في قلبك أنّه ما تيسّرت طاعتك إلا بإعانته لك على أدائها. أمّا وقد أثنيت على الربقِّ تبارك وتعالى، وأظهرت فقرك وإحتياجك إليه؛ فقدِّم طلبك لجنابه العظيم فإنّه لا يمنعُ طالباً ولا يُرجعك خائباً. فإذا طلبت فلا تطلب إلا أهمَّ من حاجاتك، فقل: (اهدِنا الصِّراط المُستَقِيم) أي المنهج القويم الذي يسوقّنا إلى جواركَ ويُفضي بنا إلى مَرضاتك. ثمّ زد شرحاً وتأكيداً بالإستشهاد بمن أفاض عليهم نعمة الهداية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ثمّ التمس الإجابة وقل: "آمين"، ومعناها: اللهمّ استجب. وإنّك إذا تلوتَ الفاتحة على هذه الصفة فيُشبِهُ أن تكون من الذين قال الله تعالى عنهم فيما أخبَرَ به رسول الله (ص) من الحديث القدسي: "قُسِّمَت الصلاةُ بيني وبين عبدي" (صحيح مسلم 296/ 1). والناس في القراءة ثلاث أصناف: -         صنفٌ يتلو القرآن يُحرِّكُ به لسانهُ وقلبُهُ غافل. -         صنفٌ يتلو القرآن يُحرِّكُ به لسانهُ وقلبُهُ يتبعُ اللسان، فيَفهَمُ ويسمعُ منه كأنّه يسمعُ من غيرِهِ؛ وهي درجةُ أصحاب اليمين. -         وصنفٌ يسبِقُ قلبُهُ إلى المعاني أوّلاً، ثمّ يخدُمُ اللسانُ القلبَ فيترجمُ ويعبِّرُ عمّا فيه. وفرقٌ بين أن يكون اللسانُ تُرجُمانَ القلبِ أو مُعلِّمَ القلبِ؛ والمُقرَّبون لسانُهُم تُرجُمانُ قلوبِهِم. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممّن صلّى فَخَشَعَ في صلاته، وقُبِلَت طاعاتُهُ.. إنّه على ما يشاءُ قدير، وبالإجابة جدير.. والحمد لله ربّ العالمين.►

ارسال التعليق

Top