• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصِّدق.. قيمة إسلامية عظيمة

عمار كاظم

الصِّدق.. قيمة إسلامية عظيمة

ورد في القرآن الكريم: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) (الزمر/ 33)، وجاء فيه أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة/  119)، و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (الأحزاب/ 70).. وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الرجل لا يكون مؤمناً حتى يكون قلبه مع لسانه سواء، ويكون لسانه مع قلبه سواء، ولا يخالف قوله عمله»، و«لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنّة لا يأمن جاره بوائقه» و«يطبع المؤمن على الخلال كلِّها، إلّا الخيانة والكذب». من القيم الأخلاقية الإسلامية الكبرى التي يُقاس بها إيمان المؤمن، وتعرف بها أصالته، ويتميَّز بها حضوره وأثره في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة، قيمة الصِّدق. سواء في علاقة الإنسان مع ربّه أو مع نفسه أو مع الناس؛ أيّ أن يعيش الصِّدق في الفكرة فلا يزيِّف عقله بالأكاذيب التي يقرأها أو يسمعها، والصِّدق في الكلمة فلا يتحدّث بحديث يخالف الحقيقة ويشوّه الواقع للناس، والصِّدق في الموقف بحيث يكون موقفه مطابقاً لمبادئه وإيمانه وعقيدته، فلا يختلف موقفه عن التزاماته الإيمانية. ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «عليكم بالصِّدق ـ الصِّدق في كلّ المواقع ـ فإنّه باب من أبواب الجنّة».

تحدّث سبحانه وتعالى في أكثر من آية عن النتائج التي يحصل عليها الصادقون يوم القيامة، عندما يقفون للحساب بين يديه: (قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ـ فمن كان صادقاً في عقيدته وكلمته وموقفه، وصادقاً مع ربّه ومع نفسه ومع الناس، فإنّه ينتفع بصِدقه ـ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ـ لأنّهم صَدقوا معه في عقيدتهم وإيمانهم، فجزاهم بصِدقهم ـ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)  (المائدة/ 119)، لأنّ هذا النوع من الرِّضا المتبادل بين العبد وربّه، يرفع من درجة الإنسان عند ربّه، ويمنحه رضاه وحبّه وجنّته، لأنّ الله تعالى يحبّ الصادقين باعتبار أنّهم يمثِّلون الحقّ ويبتعدون عن الباطل، وقد قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ) (الحجّ/ 62).

الصِّدق يمثِّل الارتباط بالحقيقة والالتزام بالحقّ والابتعاد عن الباطل، فهو ميزان يضبط حركة المؤمن في علاقاته وفي كلّ أوضاعه، ويحقّق له ذاته ووجوده الفاعل والحيّ والأصيل، ويجعل منه إنساناً يعيش روح الإيمان، وروح الالتزام، وروح المسؤولية، وروح الأخلاق السامية التي أراده الله تعالى أن يتّصف بها. وجاء عن الإمام عليّ (عليه السلام): «الصِّدق أمانة ـ لأنّ الصِّدق هو الحقّ، والحقّ أمانة الله عند عباده ـ والكذب خيانة». وعنه (عليه السلام): «الإيمان أن تؤثر الصِّدق حيث يضرّك ـ أن تؤثر الصِّدق وإن كان فيه الضرر والخسارة المادّية ـ على الكذب حيث ينفعك». وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربّما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ـ بعض الناس تكون الصلاة والصوم عادة بالنسبة إليه ـ ولكن اختبروهم عند صِدق الحديث وأداء الأمانة». وفي حديث آخر للإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «إنّ الله لم يبعث نبيّاً إلّا بصِدق الحديث وأداء الأمانة»، فالأنبياء جاؤوا من أجل أن يدعوا الناس ليكونوا الصادقين في أحاديثهم، والأُمناء فيما يؤتمنون عليه، وقد كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن يبعث بالنبوّة معروفاً بالصِّدق والأمانة، حتى غلبت هذه الصفات على اسمه، حتى إنّه بعد أن بُعث بالرسالة وعاش الصراع مع قومه، كانوا لا يأتمنون أحداً غيره، وتذكر كُتُب السيرة أنّه عندما هاجر(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة، ترك عليّاً (عليه السلام) في مكّة ثلاثة أيّام من أجل أن يؤدِّي إلى الناس ودائعهم التي كانت عنده.

واليوم، نحن بأمسّ الحاجة إلى أن يكون الصِّدق هو المقياس والحاكم لعلاقاتنا الفردية والجماعية، أن يضبط علاقة الزوج بزوجته والعكس، وعلاقة الأهل وأولادهم، وعلاقة الناس ببعضهم البعض، ففي ذلك تعزيز لروح التعاون والمودّة والرحمة والسلام، وتقوية لأُسس البنيان الاجتماعي، فالمجتمع القائم على الصِّدق هو المجتمع الناجح السائر في طريق الحقّ والهداية، البعيد عن كلّ ضعف وسقوط. إنّ مجتمع الصائمين هو مجتمع الصادقين الذين يصدقون القول بالفعل، ويعملون على أن يعمّ الصِّدق كلّ مناحي الحياة، ويجاهدون كلّ أنواع الضغوطات مهما كانت، في سبيل الحفاظ على أمانتهم وصدقهم مع أنفُسهم وخالقهم والوجود من حولهم.

ارسال التعليق

Top