• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العطاء والإنفاق في شهر الجود والسخاء

عمار كاظم

العطاء والإنفاق في شهر الجود والسخاء

شهر رمضان.. شهر الخير والعطاء والمحبّة.. شهر الإنسانية الفاضلة.. شهر الحرية الصحيحة.. شهر الكرم والعطاء.. شهر البذل والإنفاق. أيّها الصائم، أنت في رمضان ممسك عن طعامك وشرابك، محارب للذّاتك وشهواتك الجسدية، مقبل على ربّك بالصوم والصلاة والعبادة والقرآن، وذلك غذاء شهي تستمرئه الروح، وتتلذذ به النفس الطيبة، وتصفو به الفكرة، ويشرق عنه نور البصيرة؛ فترى الحقائق على صورتها، وتضع كلّ أمر في نصابه وفي موضعه الذي خلق له، سترى إذا تأثرت بصوم رمضان أنّ هذه الأعراض الدنيوية، وهذه الأموال الفانية وسائل لا تقصد لذاتها، ولا قيمة لها في نفسها، ولكنّها تشرف وتعلو إذا أنفقت في الخيرات، فيدفعك ذلك إلى الإنفاق، وأنت مغتبط مسرور. ولهذا كان شهر رمضان شهر الإنفاق، وسترى إذا تأثرت بالصوم أن من ورائك قوماً جاعت بطونهم، وظمئت حلوقهم، وأن في وسعك أن تسدّ جوعهم، وتروي ظمأهم، فيدفعك ذلك إلى العطاء والبذل والإنفاق؛ ولهذا أيضاً كان شهر رمضان شهر السخاء والجود.

وسترى إذا تأثرت بالصوم أن عاطفة رقيقة يتحرك بها قلبك، وشعوراً دقيقاً تختلج به نفسك، وإحساساً قويّاً يسري في جوانحك هو الذي يسميه الناس الرحمة أو الشفقة أو العطف أو الحنان، وسمِّه ما شئت، فحسبك أنّه شعور يدفعك إلى مواساة المنكوبين، وإعطاء المحرومين، وكفكفة دموع البؤساء والمساكين بما حسن به إليهم من عطاء، وإذن فرمضان شهر العطاء والبذل، ومتى ما عرفت أنّك مستخلف في المال الذي تمتلكه؛ لتنفقه في وجوه الخيرات، وليس لك منه إلّا ما أكَلْتَ فأفنَيْتَ، أو لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أو تَصَدَّقْتَ فأبْقَيْتَ، وفهمت قول الله تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ) (الحديد/ 7)؛ فإنّك - بلا شكّ - ستقدم إلى الخيرات باذلاً منفقاً، وأنت باسم الثغر، رضي النفس، وذلك ما يؤديك إليه الصوم الشرعي الصحيح. كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أجود الناس، وكان أجودُ ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل (عليه السلام)، وكان يلقاه في كلّ ليلةٍ من شهر رمضان فيُدارِسُهُ القرآن؛ فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أجودُ بالخير من الرِّيح المُرْسَلَةِ.

أرأيت كيف أن علو نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في درجات الروحانية مع روحانية لقاء جبريل (عليه السلام)، مع روحانية تلاوة القرآن، مع روحانية صوم شهر رمضان، كلُّ هذه الروحانيات مجتمعة أثمرت أن يتضاءل سلطان المادة، ويختفي أثر فتنة المال، فيجود به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كالريح المرسلة لا يبقى على شيء، وكذلك أثر العبادة الخالصة في نفوس العابدين. فليذكر المسلم ذلك بمناسبة شهر السخاء والجود، وليذكر معه أن اقتصاده لأمواله لتنفق في سبيل المجد والخير يُضْعف من قوة عدوه الذي يستغنى بما يبتز منه، ويتمتع بثروته، ويرتع في خيرات أرضه، ولو سرت هذه الروح الطيبة، وشعرنا بأنّ في أموالنا حقّاً للسائل والمحروم، ولواجب الرقي والنهوض المحتوم لرأينا أنفسنا في غنى عن كلّ عمل مسيء للنفس والمجتمع.

هذا شهر رمضان شهر السخاء والإنفاق، وأمامنا مشروعات كثيرة تهيب بنا إلى الإنفاق، فهل نأخذ أنفسنا في هذا الموسم بالتدرب والتمرين على البذل في سبيل الله؟!

(هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمّد/ 38).

ارسال التعليق

Top